للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الرجولة]

الرجل في اللغة: يطلق على الذكر من بني الإنسان، وهو ضد المرأة.

قال في اللسان: الرجل معروف، الذكر من نوع الإنسان خلاف المرأة.

وعلى هذا المعنى فكل من لم يكن امرأة من بني البشر فهو رجل، لكن الرجولة في عرف الناس اليوم تعني معنىً زائداً عن مجرد الذكورة، فهل لهذا العرف أصل في لغة العرب أم أنه أمر تعارف الناس عليه، ولا حرج في ذلك حيث لا مشاحة في الاصطلاح.

حديثنا ليس عن المصطلح لكن عن المضمون، حديثنا عن المعنى الذي يتحدث الناس حوله ويطالب به الآباء أبناءهم والمعلمون تلامذتهم يطالبونهم أن يكونوا رجالاً وأن يعيشوا في مصاف الرجال.

فحديثنا عن المعنى والمضمون، والأمر لا يعني بقليل أو كثير مدى صحة هذا المعنى في استعمال العرب الأوائل، لكننا حين نفتش في معادن اللغة ونبحث فيها فإننا نجد ما يوحي بذلك نجد أن العرب وإن أطلقوا الرجولة على الذكورة فإنها قد تأتي ويراد بها معنىً زائد قد يتحقق في بعض الرجال دون غيرهم.

وها هي بعض الأمثلة مما ذكره أهل اللسان في ذلك: قال في لسان العرب: قال ابن سيده: وقد يكون الرجل صفة -أي: تكون صفة وليست لمجرد الذكورة فقط- يعني بذلك الشدة والكمال، وعلى ذلك أجاز سيبويه الجر في قولهم: مررت برجل رجل أبوه.

وقال في موضع آخر: إذا قلت: هذا الرجل فقد يجوز أن تعني كماله وأن تريد كل رجل تكلم ومشى على رجلين فهو رجل لا تريد غير ذلك، وفي معنىً تقول: هذا رجل كامل، وهذا رجل أي: فوق الغلام، ويقال: رجل به بالرجلة ورجل بين الرجولة والرجلة والرجلية والرجولية، وهذا أرجل الرجلين، أي: أشدهما، أو فيه رجلية ليست في الآخر، والرجيل: القوي على المشي الصبور، والرجيل أيضاً من الرجال: الصلب.

إن هذه المعاني توحي بأن لهذا الاستخدام العرفي لدى الناس أصلاً، فكما أن الرجل يراد به الذكر من بني الإنسان فهو يعني وصفاً زائداً، ومن ثم فقد تنفى الرجولة عن طائفة من الناس وإن كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وينجبون البنين والأحفاد.

ويطلق الرجل على البالغ فيقال: هذا غلام وذاك رجل، فالبلوغ يتأهل به المرء للمسئولية ويدرك منزلة الرجال، وينزل منازلهم، كيف لا وقد أمره من خلقه تبارك وتعالى وهو أعلم به من نفسه ومن الناس؛ أمره عز وجل ونهاه وحمله أعظم مسئولة.

إذاً: فالرجولة: هي اتصاف المرء بما يتصف به الرجال عادةً؛ ولهذا فالجلد والصبر والقوة والتحمل هي من معاني الرجولة، وفي القرآن الكريم جاء وصف الرجولة في مواضع ومنها: تحمل الرسل عليهم صلوات الله وسلامه لأعباء الرسالة، قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:١٠٩].

ومما جاء في التنزيل: صدق الرجل فيما عاهد الله عليه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٢٣].

ومن صفات الرجال في كتاب الله عز وجل: عدم الانشغال بالعوارض عن الذكر والآخرة: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٧ - ٣٨].

ومن سمات الرجال في كتاب الله: حب التطهر: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:١٠٨].

ومع ذلك جاء في القرآن الكريم استخدام الرجال في مقابل النساء: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء:٧] {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء:١٢].

وجاء وصف طائفة ممن سيق خبرهم في سياق الذم أنهم رجال، قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف:٣٢] لكن هذا لا يعني نفي أن يكون للرجولة إطلاقان: إطلاق عام، وإطلاق خاص وهو موضوع حديثنا.

أيها الإخوة والأخوات! يدرك المسلمون جميعاً صغيرهم وكبيرهم جاهلهم ومتعلمهم يدركون مهما كان علمهم ومهما كانت ثقافتهم؛ أن الله عز وجل لم يخلق الناس ويوجدهم إلا لعبادته تبارك وتعالى، قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ومن ثم فمنزلتهم وقيمت