[نشوء العلاقات العاطفية بين بعض الشباب]
ثالثاً: ومن الإغراق في العاطفة: العلاقات العاطفية التي قد تنشأ بين بعض الشباب أو بعض الفتيات: فقد ينشأ بين شابين أو فتاتين علاقة ومحبة يتجاوز قدرها، وتعلو حرارتها، حتى تتجاوز الموقف الذي ينبغي أن تقف عنده، فتتحول إلى علقة، وقد يكون الدافع الأول الذي دفع إليها هو الحب في الله، وهي صور ومواقف نراها جميعاً.
وكثيراً ما ترد إلي هذه الشكوى، إما سؤال في محاضرة، وإما رسالة يحملها إلي البريد، وهي رسائل مؤثرة يحكي صاحبها معاناته مع هذا الجحيم الذي يعيشه من لأواء هذه العلاقة العاطفية.
وكثير من هؤلاء يطلب الواحد منهم مني ألا أنشر رسالته، مع أني أعرف أنه لن يعرف من وراء ذلك، لكن ما دمت قد استؤمنت على ذلك فلا يجوز أن تخون من ائتمنك، وإلا قرأت عليكم بعض تلك الرسائل التي تصور لكم عمق المعاناة التي يعيشها مثل هذا الشاب.
وتبدأ هذه العلاقة حباً في الله عز وجل، ثم تتطور إلى حد يتجاوز بعد ذلك هذا القدر، فتتحول إلى مشاعر عاطفية، يبديها فلان والآخر، ويحاول كل منهما أن يغلف هذه العلاقة بغلاف الحب في الله، ويحاول أن يطعم هذا اللقاء بشيء من التواصل، وشيء من التعاون على طاعة الله عز وجل، وهي مكائد وحيل نفسية وشيطانية؛ حتى يغفل عن الداء، وحين تستحكم حينئذٍ يصعب ويعز الفراق.
فترى زيداً حين تراه وأنت تنتظر قطعاً أن يأتي عمرو، وحين يعتذر زيد عن المشاركة، فهذا يعني بالضرورة أن يعتذر عمرو، وليس ثمة سبب إلا أنه قد اعتذر، وحين يكون الأول مشغولاً مع والده، فسيكون الآخر مشغولاً مع والدته، وإن لم يكن كذلك فثمة شغل هنا أو هناك، والقضية تتحول إلى أن يربط مصيره بمصير فلان من الناس، حتى لا يصبر على فراقه، ولا على لقائه، وهكذا الشأن أيضاً عند الفتيات.
إن في العاطفة والتجاوب معها صورة تقود إلى نتائج خطيرة، صورة تجعل هذه العاطفة تحجب عن غير هذا الشاب، فلا يحب في الله إلا هذا الرجل، ولا يبغض في الله إلا من أبغض هذا الرجل، ويصبح هذا الرجل هو مقياسه، والآخر يبادله الشعور نفسه، وأما أصحابه وخلانه وإخوانه فلم يعد لهم مكان فسيح في قلبه، حيث: أتاه هواه قبل أن يعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا فاستحكمت هذه العلاقة، واستحكمت هذه المحبة، حتى لم يعد في قلب كل واحد منهما مكان لغير صاحبه، ويكتشفان حينئذٍ الخطأ، لكن حين يفوت الأوان، وحين يكونان قد انساقا مع هذه العاطفة، وتجاوبا معها، فيصعب عليهما التراجع حينئذٍ.
ويأتي يبث شكواه، ويطرح
السؤال
كيف الخلاص؟ أشعر أني أحب فلاناً، أشعر أنها ليست محبة خالصة لله، أشعر بعمق المأساة والمعاناة، إلى غير ذلك، لكنه حينئذٍ أصبح لا يطيق الصبر والفراق، فيبحث عن العلاج حين صعب عليه الأمر.
ولو كان منطقياً وجاداً، وكان مقتصداً في بذل المشاعر العاطفية، والعبارات التي ترق عاطفة، وكان مقتصداً فيها؛ لاعتدل فيها فيما بعد، وقد تؤدي إلى هذه النتيجة، وقد تؤدي إلى نتيجة أكبر.
وقد تتحول هذه العلاقة وهذه المحبة إلى محبة شيطانية، وحين يدخل الشيطان ستدخل الأغراض والشهوات فيها، وحينئذٍ يأتي الداء العضال عافانا الله وإياكم، والسبب والمشكلة هي الإغراق في العاطفة ابتداءً.
نقول ذلك ولا نرفض الطبيعة التي تجعل فلاناً من الناس يشعر بارتياح لصاحبه، ويشعر أنه يميل إليه أكثر من غيره من الناس، وهذه فطرة فطر الناس عليها، والأرواح جنود مجندة، لكن أيضاً يبقى هذا بقدر معين ومحدود إذا تجاوزه تحول إلى مرض وداء عافانا الله وإياكم، وما على من ابتلي أو ابتليت بمثل هذه المشاعر إلا أن يقطع الطريق من أوله، حيث قد يصل إلى مرحلة قد يشق عليه الرجوع بعدها.