للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لبس الحق بالباطل]

آفة رابعة: وهي من أخطر آفات طلاب العلم: لبس الحق بالباطل، وكتمان الحق، وقد حذر القرآن الكريم كثيراً من هذه القضية، وأخبر تبارك وتعالى أنه أخذ المواثيق على أهل العلم، أن يبينوه للناس ولا يكتموه، يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:١٨٧].

وتوعد تبارك وتعالى الذين يكتمون العلم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:١٥٩ - ١٦٠].

نعم، حتى أولئك الذين شعروا بشناعة جرمهم وتابوا لا تقبل توبتهم إلا أن يصلحوا ما أفسدوه، وأن يبينوا للناس ما كتموه.

والله تبارك وتعالى يخبر وينعى على بني إسرائيل أنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وأنها ستسير خلفهم حذو القذة بالقذة حتى لو دخل أولئك جحر ضب فستدخله هذه الأمة.

إنها قضية صعبة أيها الإخوة، نعم، إن تحصيل العلم يفرض على من يحصله واجباً، ويفرض عليه وأن يقول هذا العلم، وأن يبينه للناس، وأن لا يكتمه، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الميثاق على أصحابه وبايعهم على ذلك، والبيعة لا تكون إلا على أمر ذي بال، كما يحكي أولئك الذين شهدوا هذه البيعة: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق حيث كنا لا تأخذنا في الله لومة لائم).

وأولئك الذين يكتمون العلم قد توعدهم تبارك وتعالى بالوعيد الشديد، في أنهم لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب إليم.

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار، فما الذي يعصم طالب العلم من هذا المسلك، وما الذي يعين طالب العلم على القيام بهذا الواجب إلا حين يتربى على تقوى الله تبارك وتعالى، وخشيته فتهون الدنيا لديه، ويهون شأن الناس لديه، فلا يقدم ولا يرى إلا مرضاة ربه تبارك وتعالى.