[من أولى بالقدوة؟]
يا فتاة لكل أمة تاريخ تفخر به، ولكل امرئ مجد ينافح عنه ويتطلع إليه، وتتحكم ثقافة المرء وخلفيته في اختيار المحتوى التاريخي الذي يفتخر به وينتمي إليه.
فهناك من غاية التاريخ عنده موروثات قديمة، ومقتنيات الآباء والأجداد من الأدوات والأواني والأثاث، وهناك من يشعر أن المنهج، والفكر، والمبدأ أثمن من هذا كله، فيعتبر أن هذا هو تراثه الحقيقي.
يا فتاة حين نطبق هذه القاعدة على الفتيات فسنجد الصورة نفسها، فمنهن من لا تذكر من التاريخ إلا حكايات جدتها قبل النوم، وهناك من ترى التراث في إناء أو موروث قديم، وهناك من تمتد في التاريخ امتداداً أفقيًّا مع الجيل الحاضر والأمم المعاصرة؛ فترى قدوتها في عارضة أزياء ساقطة، أو ممثلة كافرة، أو مغنية فاجرة، ومنهن من تمتد امتداداً رأسيًّا لترى قدوتها في أم عمارة نسيبة بنت كعب، أو ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر، أو في اللواتي أثنى عليهن الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣] واللاتي قال الله عز وجل عنهن: {قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} [التحريم:٥] ويتجاوز نظرها هذا المدى ليدرج ضمن هذه القائمة امرأة فرعون: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:١١].
يا فتاة أدعوكِ مرة أخرى لتحكمي وبمنطق العقل والموضوعية، من أولى بالقدوة؟ ومن الأحق بالأسوة؟ يا فتاة لو وضع لك الخيار أن تكوني كإحدى الطائفتين، فأين أراكِ تختارين؟ حزب عائشة وزينب وأسماء وآسية؟ أم حزب عارضات الأزياء والممثلات؟ يا فتاة حين يهديكِ عقلكِ الراشد إلى اختيار أحد الحزبين، وخير الطائفتين، فسوف تسعين حتماً للاقتداء بمن تختارين، والسير في ركابه، وإن لم تصلي النهاية التي وصلن إليها، إلا أنك في الطريق.
وإليك النهاية التي تصل إليها الساقطات: إحدى الممثلات الساقطات، وأعتذر عن ذكر هذه الأسماء في مثل هذا المكان المبارك، فقد ذكر الله عز وجل في كتابه اسم فرعون وقارون وهامان.
الممثلة الراحلة كما يقال مارلين مونرو نالت المال الذي تستطيع أن تحصل به على كل شيء، والشهرة التي جعلت اسمها وصورتها تملأ صحف العالم، والجمال الذي يشد أنظار الرجال إليها ويجذبهم نحوها، نالت كما يقال ثالوث السعادة: المال والشهرة والجمال، لقد وجد المحقق الذي درس قضية انتحار هذه الممثلة الشهيرة رسالة محفوظة في صندوق الأمانات في بنك مانهاتن في نيويورك، حين فتح المحقق الرسالة وجدها مكتوبة بخطها نفسها وهي موجهة إلى فتاة تطلب نصيحتها عن الطريق إلى التمثيل فتقول في رسالتها: احذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إنني أتعس امرأة على هذه الأرض لم أستطع أن أكون أمًّا.
إني امرأة أفضِّل البيت، أفضِّل الحياة العائلية على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية.
انتهى كلامها.
إنه شاهد على تلك المأساة التي تعيشها أمثال هذه النسوة، والتي تراها بعض الفتيات قدوة لها وأسوة لها.
وصرح بعض النقاد بأن الجاني هو كل فرد في المجتمع الغربي.
قال أحدهم في إيطاليا: إنها لم تنتحر، نحن الذين قتلناها، نحن الذين نشاهد الأفلام ونقرأ المجلات.
بل اعتبرها أديب آخر إنسانة لم تطق استمرار العيش في قاذورات تلك الحضارة، ولم تجد مفراً من موتها اليومي إلا بالموت النهائي.
نعم لقد وجدت هذه الممثلة في الانتحار خلاصاً من شقائها، وتحرراً من واقعها، ونجاة من مستغليها والمثرين على حساب أنوثتها.
قارني يا فتاة بين هذه الصورة وبين صورة تلك المرأة التي تقول: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:١١].