للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النحر يذكر بإبراهيم وهو يستجيب لأمر الله]

من أعظم ما شرعه الله عز وجل في الحج النحر له سبحانه وتعالى، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:٢٨] {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:٣٤].

فالنحر عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى، ولهذا سمى الله عز وجل هذا اليوم بيوم النحر، وهو أفضل أيام الحج، بل هو أفضل أيام العام وهو يوم الحج الأكبر، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام يوم النحر ثم يوم القر) فتسميته بالنحر دليل على عظم هذه العبادة وعلو شأنها.

ولنا مع النحر وقفات: الوقفة الأولى: النحر يذكر المسلم بإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز وجل بذبح ابنه الذي رزقه الله إياه على حين كبر، وكانت امرأته عاقراً فرزقه الله عز وجل إياه بعد أن يئس من الولد، وحين بلغ معه السعي وبلغ تلك السن التي يفرح فيها الوالد بولده، ويستبشر به أمره الله عز وجل، وكيف جاءه الوحي؟ جاءه الوحي رؤيا في المنام، ولم يأته الوحي مباشرة كلاماً من الله عز وجل أو من الملك، وهذا لحكمة عظيمة، ثم أُمر إبراهيم عليه السلام أن يقوم هو بذبحه، ولو أمر أن يوصله إلى معركة يقتل فيها أو أن يوصي من يقتله فقد يهون الأمر عليه، أما أن يمارس هو ذبحه فالأمر صعب.

ثم هو يمارس الذبح بيده فهو يرى وجهه وروحه تقعقع يراه ويذبحه استجابة لأمر الله عز وجل، ولا يتردد ويتلكأ، ومع ذلك أيضاً يسعى إبراهيم إلى أن يشرك إسماعيل في الابتلاء فيعرض عليه الأمر في صورة عرض وأخذ رأيه: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:١٠٢].

إنه وهو يسأله هذا السؤال لم يكن ليوقف استجابته لأمر الله عز وجل على موافقة إسماعيل حاشا وكلا، لكنه كان يريد أن يشاركه إسماعيل في الابتلاء، وما كان من ابنه إسماعيل إلا أن قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:١٠٢].

وحين استسلم لله عز وجل وانقاد لم يكن بعد ذلك من حاجة أن يراق دم هذه النفس البريئة، والذي شاء الله عز وجل أن يكون من ذريتها هذه الأمة التي تحج إلى بيت الله عز وجل وتحمل رسالة الله عز وجل ويخصها الله بخاتمة الأديان: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة:١٢٤].

فيشرع الله عز وجل النحر للمسلمين ليذكروا اسم الله عز وجل، ويشرعه لهم في الحج ومن لم يحج فإنه تشرع له الفدية، لكن أين واقع ذلك المسلم الذي ينحر الدم لله عز وجل من واقع إبراهيم في الاستسلام والخضوع لله عز وجل؟ إنك ترى هذا المسلم الذي يتقرب إلى الله بنحر الدم قرباناً لله عز وجل يتردد ويتلكأ عن الاستجابة لأمر الله عز وجل، تراه يبذل العلم والحجج الواهية ويناقش ويبدئ ويعيد في تسليمه لأمر الله عز وجل.