[الولوع بالفواحش والتعلق بها من أعظم أسباب سوء الخاتمة]
الأمر الثالث أيها الإخوة: أن الولوع بالفواحش والتعلق بها من أعظم أسباب سوء الخاتمة، عافانا الله وإياكم من ذلك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق قال:(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك -وذكر الحديث وفيه-: وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول:(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
ولذلك كان بعض السلف يقول: والله إني لا أخشى الذنوب، وإنما أخشى سوء الخاتمة.
أيها الإخوة! في حال الاحتضار يكون المرء في أضعف أحواله، فتجتمع عليه شياطين الجن تحتوشه تخشى أن يموت على الإيمان، وفي هذه الحال الشديدة وهو يعيش هذا الهم والغم، ويعيش الكرب، ويعاني من سكرات الموت التي عانى منها أطهر الخليقة وأبرها صلى الله عليه وسلم، في هذه الحالة الشديدة الكئيبة التي يعيشها المرء تجتمع عليه شياطين الجن تحاول أن تصده عن دينه؛ لأنهم يعلمون أن هذه آخر فرصة لهم، فيحاولون أن يصرفوه من هنا وهناك.
وحينئذٍ لا نجاة ولا أمل للعبد إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وحفظ الله عز وجل له، وإلا فلو وكل الله سبحانه وتعالى العبد إلى نفسه طرفة عين في هذه الحياة الدنيا لضاع وضل، كيف به وهو يعاني من أهوال الموت! وفي هذا الموقف أيضاً أيها الإخوة! يحضر المرء ما كان يدور في خلده، وما كان يشغل باله في الحياة الدنيا، وحينئذٍ يبدأ يتفوه ويهذي بما كان يشغله في الحياة الدنيا، فإن كان مطيعاً لله مات على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن كان من المتعلقين بالدنيا أصبح يردد ما يتعلق بالدرهم والدينار، وإن كان من المتعلقين بالفواحش أصبح يردد ما يتعلق بذلك.
أيها الإخوة! ذكر الأخبار حول هذا الأمر يطول، وليس هذا وقته، وقد ذكر طرفاً من ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه (العاقبة)، ونقل بعضاً منه الإمام ابن القيم في كتابه القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، فمن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى هذه الكتب.
ولعلي أورد قصة مختصرة حول هذا الأمر، ذكر عبد الحق في هذا الكتاب عن رجل، وكان من الناس الصالحين، والعلماء الأخيار، رأى غلاماً أمرد فتعلق قلبه به، وكلف به حتى فقده، فلما فقده مرض واشتد به المرض، فذهب الناس يسعون إلى هذا الغلام؛ لعله أن يأتي إليه لأجل أن يراه فقط، فما زالوا به حتى أقنعوه أن يجيء إليه، فلما بلغ هذا الرجل موافقة الغلام سر وعادت إليه بعض حاله، فلما أخبر الغلام بذلك خاف من الله سبحانه وتعالى، فعدل عن مجيئه، وهنا اشتدت الحال بهذا الرجل، وأصبح يردد بيتين -عافانا الله وإياكم منها- كفر بهما بالله سبحانه وتعالى، قال فيهما: أسلم يا راحة البال العليل ويا شفاء المدنف النحيل رضاك أشهى إلي من رحمة الخالق الجليل عافانا الله وإياكم، ومات وهو يردد هذين البيتين.
أيها الإخوة! إنه أمر خطير جداً أن يتعلق المرء ويتعلق قلبه بمثل هذه الأمور، فتحضره عند وفاته يوم لا ينفعه -بعد توفيق الله سبحانه وتعالى- إلا عمله الصالح.