سادساً: من آفات الأخوة الإفراط في المعاتبة، قد يعتاد الناس أموراً يرون أنها من مكملات الأخوة ومن حقوقها، فمثلاً: قد يشعر البعض منكم أنه حين يأتي عليه ضيف في هذه البلاد فإن من حقه عليه أن لا ينصرف قبل أن يتناول طعام العشاء، رغبة في إكرامه وأداء الحق له، وقد يكون في هذا إثقالاً على صاحبه وإحراجاً له، والأخ لا يريد أن يبالغ في الاعتذار، فيستجيب محرجاً ويشعر أن أخاه قد أحرجه وضايقه.
وأحياناً يسود منطق العتاب على التقصير والمقاطعة، فحين يلقى صاحبه يعاتبه فهو منذ شهر لم يره، فلماذا القطيعة، أين الاتصال؟ لم نرك من سنة أو سنوات، وكما تعرفون مع تغير الحياة وتعقدها قد يكون الإخوان في مدينة واحدة فيمر على الأخ سنوات لا يرى أخاه فيها، وحين يلتقون يبادر بالمعاتبة، فيبادر الآخر بالاعتذار ولو كان سريع البديهة حصيفاً لكال له الصاع صاعين، وكما يقول أهل الصحافة: لقذف الكرة في مرماه، فقال: لئن كنت لا أزورك فلم لا تزورني أنت، لئن كنت قاطعاً فلم تكون قاطعاً أنت، ولو عاد الجميع إلى واقعيتهم ورشدهم لرأوا أن عدم زيارة هذا الأخ لأخيه وعدم لقائه به، ليس دليلاً بالضرورة على عدم محبته، وعلى عدم أخوته.
وهذا المعنى الذي يشير إليه الإمام أحمد رحمه الله حين قال له أحد أصحابه: يا أبا عبد الله، لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لكنت آتيك كل يوم، فقال الإمام أحمد رحمه الله: لا تقل ذلك، إن لي إخوة لا أراهم في العام إلا مرة، أنا أوثق بمودتهم ممن ألقاهم كل يوم.
فعدم كثرة اللقاء لا تعني بالضرورة ولا تستلزم عدم المحبة والمودة! أقول: أحياناً نفرط في العتاب واللوم على إخواننا ونتصور أن هذا مما يزيد بنيان الأخوة، فلا شك أنه حين يبالغ فيه الأخ قد يهدمها وقد يشعر الأخ أنه محرج، فقد يضطر أحياناً للكذب، قد يضطر لعدم مقابلة أخيه، قد يضطر لأمور لأنه يشعر أنه سيفرط في عتابه ولومه.