ومن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مراعاته صلى الله عليه وسلم لمشاعر الناس.
وهو جانب دقيق وعجيب في سيرته صلى الله عليه وسلم، وشواهده في ذلك كثيرة، منها ما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه:(أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه).
وفي الصحيحين أيضاً:(أنه صلى الله عليه وسلم حين كان محرماً أهدى إليه رجل صيداً فرده صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم).
وحين جاء مالك بن الحويرث وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبقوا عنده أياماً قال مالك رضي الله عنه:(فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنا قد اشتقنا إلى أهلنا فرق لحالنا، فقال صلى الله عليه وسلم: انطلقوا إلى أهلكم وعلّموهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي).
وحين تقرأ في سيرته صلى الله عليه وسلم ترى كثيراً أنه صلى الله عليه وسلم كان يدرك هذه المشاعر، وكان يرعاها صلى الله عليه وسلم، بل كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك حتى وهو في صلاته, فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخبر عن نفسه أنه يدخل الصلاة وهو يريد أن يطيلها فيسمع بكاء الصبي فيخفف الصلاة خشية أن تُفتن أمه.
وعجباً لهذا الخلق العظيم! إن السنة في حق المرأة أن تصلي في بيتها، والأفضل في حقها ذلك، ولو قيل لأحد ممن يؤم الناس شيئاً في ذلك لقال: اقعدي في بيتكِ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الصلاة وهو يريد أن يطيل فحين يسمع النبي بكاء الصبي يخشى صلى الله عليه وسلم أن تُفتن أمه، فيقصر الصلاة مراعاة لهذه المرأة، والتي كان الأفضل في حقها أن تشهد الصلاة في بيتها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بأولئك الذين أوجب الله عز وجل عليهم صلاة الجماعة؟ أحياناً قد يجفو بعض الأئمة الخلق مع الناس فيتسبب في فتنة الناس وصدهم عن أداء الصلاة مع الجماعة والتي هي في حقهم واجبة يأثمون لو تركوها.