للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اذهب أنت وربك فقاتلا]

والصورة المقابلة حين تتخلف التربية الجادة، (اذهب أنت وربك فقاتلا) كان موسى مع بني إسرائيل، بعد أن عانى ما عانى منهم قال لهم: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:٢١]، هذه الأرض المقدسة وقد كتب الله لكم، {ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:٢١ - ٢٢]، يعني: إذا خرج القوم الجبارون عندنا استعداد أن ندخل، لكن حتى هذه فيها شك، فقد لا يدخلوا، {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} [المائدة:٢٣]، يعني: القضية ما تحتاج شيء، مجرد أن تدخلوا الباب، {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا} [المائدة:٢٤]، ولن تفيد النفي التأبيدي عند الزمخشري، وهي عند بني إسرائيل تفيد التأبيد، وإذا كان هناك معنى آخر أقوى من التأبيد فهو عندهم، {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤] هذا نموذج، وهذه النهاية التي يصل إليها من لم يترب التربية الجادة، {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:٢٥ - ٢٦].

ثم دخلوها لما عاشوا في الصحراء أربعين سنة وهلك هذا الجيل وجاء أبناؤهم بعد ذلك، وعاشوا على الشظف والمعيشة القاسية، وأتاهم يوشع بن نون وقال: (لا يتبعني أحد بنى داراً وينتظر أن يتم سقوفها)، فخرج إليه القوم الجادون فاستطاع أن ينتصر بهم.