[المؤامرة على الأمة وشبابها]
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد: فهي فرصة طيبة أن نلتقي بالإخوة الكرام في هذا اللقاء المبارك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب القائمين على هذا المخيم، وأن يجعل ما يقدمون في موازين حسناتهم.
ونحن في الواقع بحاجة إلى مثل هذا التوسع في أنشطتنا الإسلامية، وفي دعوتنا، وفي برامجنا، وهي فكرة رائدة سرتني كثيراً، وأتمنى أن نرى في المستقبل المزيد من مثل هذه الأفكار والجهود؛ لأن المسلم يرى أن دينه ودعوته تتطلب منه جهداً أكثر.
لئن كان أصحاب التجارة وأصحاب الأموال يبتكرون الوسائل والأساليب في الدعاية والإعلان، وترويج منتجاتهم، ولئن كان أصحاب الفساد والفجور يبذلون المستحيل، لابتكار واكتشاف ألوان الفساد، والحصول على ما يريدون، والتحايل على الناس، فأهل الحق أولى ألا يكونوا أسرى تجارب ووسائل ورثوها، وألا يكونوا أسرى أفكار اعتادوا عليها، فصاروا لا ينطلقون إلا من خلالها.
أسأل الله سبحانه وتعال أن يعظم الأجر والمثوبة لإخواننا، وأن يجعل ما قدموا في موازين حسناتهم، وأن يجعلنا وإياكم جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
معشر الشباب! لقد أدرك أعداء الإسلام أنه لا مجال للانتصار على هذه الأمة والقضاء عليها إلا بسلخها عن دين الله سبحانه وتعالى، وأدرك أولئك جميعاً أن الشباب هم الأمة، يقال: الشباب عدة الأمة، وأمل المستقبل، والواقع أن الشباب هم الأمة، وليست الأمة إلا الشباب، فعلى أكتافهم وسواعدهم تقوم المجتمعات، وهم القادة في المستقبل، وهم الرجال الذين يوجهون المجتمعات والأمم.
وعلى أساس ما نشئوا عليه في شبابهم وفتوتهم يكونون بعد ذلك، ولما أدرك الأعداء قيمة هؤلاء الشباب وخطر شأنهم في الأمة سعوا لإضلالهم وفتنتهم، وصدهم عن دين الله سبحانه وتعالى، فقامت تلك الجهود، ومن ورائها الطابور الخامس المنتشر في مجتمعات المسلمين في عرض الأمة وطولها، يمهدون للأعداء، ويقومون بتنفيذ خططهم نيابة عنهم، ولا يزيد على أن يأخذ وكالة فقط حتى تتغير الواجهة واللافتة، والمقصود من ذلك كله واحد هو سلخ شباب هذه الأمة، وصدهم عن دين الله سبحانه وتعالى.
وتنوعت أساليب الإغراء والإثارة والصد، بدءاً بتشكيك أولئك بدين الله سبحانه وتعالى، وإخراج أجيال ممن يتشككوا في دين الله عز وجل، ويرتضي الإلحاد والردة عن دين الله سبحانه وتعالى، وصار يبحث له عن مناهج بديلة عن الإسلام.
ومروراً بوسائل سعى فيها أولئك الأعداء إلى إثارة غرائز الشباب، وإلى إثارة اهتمامات الشباب، وصرف الهمة الجادة والعالية؛ فخرج لنا جيل همه فرجه وشهوته، وصار يسعى إلى تحصيل هذه الشهوة بكل الوسائل، وإذا لم تتح له في بلده وفي موطنه، فهو على استعداد أن يوفر جزءاً كبيراً من ماله؛ حتى يسافر إلى الخارج، ويسافر إلى بلاد الكفر؛ حتى يقضي شهوته في الحرام.
وخرج لنا جيل يتعلق بالرياضة ويفتن بها، حتى صارت أساس تفكيره، وخرج لنا جيل يعتني بما يسمى بالفن، وصار أولئك مرايا عاكسة لآخر صرعات الفن في عالم الغرب.
إنه -معشر الإخوة الكرام- نتاج جهد متواصل من أولئك الأعداء، قابله تخاذل من هذه الأمة، وانشغال من المصلحين الذين كان أولى بهم أن يقفوا على بوابات الحراسة في مجتمعات المسلمين؛ ليحموا هذه الأمة من هذا الغزو الماكر، وبقيت مجتمعات المسلمين وبالأخص الشباب دهراً في سبات عميق، وما كان لهذا النوم أن يطول، وما كان لهذه الأمة أن تطيل في الغيبوبة وهي الأمة الشاهدة، وهي الأمة القائمة بدين الله عز وجل للبشرية جميعاً إلى قيام الساعة.
فآذن الله سبحانه وتعالى بانبلاج فجر الصحوة، وخرجت تلك الصحوة مع هذا الجيل الذي كان ينتظر الأعداء منه كل ألوان الفساد والانحراف، خرجت الصحوة مع هذا الجيل ليعود إلى دين الله عز وجل، وليضرب المثل الصادق في العودة إلى دين الله عز وجل، والعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأصبحنا مرة أخرى نرى الأفواج تتقاطر إلى طريق الاستقامة والصلاح والخير، وصارت الأفواج التي تتسابق إلى المساجد هي الأفواج إلى كانت تتسابق إلى الملاعب وإلى أماكن اللهو والرقص، بل صار أصحاب السفر والفساد والمجون والمخدرات والفن يعودون إلى هذا الطريق، وينضوون تحت لوائه، وصار العدد يتضاعف يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام.
وهي مسيرة بإذن الله مستمرة، فحين أشعل الفتيل، وحين أعلنت المسيرة فهذا إيذان باستمرار المسيرة إلى أن يتحقق وعد الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:٢٨]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون