للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[احترام أوقات الآخرين]

الاقتراح الثالث عشر: احترام أوقات الآخرين: إذا كنت لا تحترم وقتك فيجب أن تحترم أوقات الآخرين، وهذا من خلال عدة أمور: الأمر الأول: أن تحترم مواعيدك، إذا أعطيت إنساناً موعداً يجب أن تحترم هذا الموعد فلا تضيعه، أو على الأقل إذا لم تستطع أن تعتذر في وقت مناسب؛ لأنه قد يكون مثلاً قد امتنع من مصالح مهمة له لأجل هذا الموعد الذي أعطيته، فتكون قد أضعت عليه الوقت، فلن يستطيع أن يصرف هذا الوقت لأمر آخر كان يمكن أن يصرفه فيه.

من احترام أوقات الآخرين: عدم الإحراج، فبعض الناس أحياناً يلح عليك إلحاحاً عجيباً أن تأتي منزله في وليمة، وهي وليمة لا تقدم ولا تؤخر، فتعتذر ولكن لا فائدة، حتى تضطر إلى الاستجابة لإلحاحه.

يا أخي! الناس ليسوا مثلك فارغين، فمن احترامك لأوقات الآخرين ألا تلح عليهم وألا تحرجهم بأي طلب أياً كان، يجب ألا تفترض أن أوقات الآخرين مثلك، فمن حقك أن تطلب، لكن ينبغي ألا تلح، والإلحاح ليس بالضرورة دليلاً على الحرص وجانباً إيجابياً، فربما كان جانباً سلبياً.

ومن ذلك افتراض الاختلاف حول تحديد الأولويات: فأحياناً شخص يطلب منك عملاً أياً كان هذا العمل، ثم تعتذر فيقول لك: يا أخي! هذا عمل مهم، وهذا عمل مفيد، وهذا ضروري، والناس محتاجون، إلى آخره.

يا أخي! أولاً: أنت لا تعرف وقتي كله حتى تحكم، ولو كان أمامك وقتي كله، ثم أتيت إلى هذا العمل الذي ترى أنت أني يجب أن ألغي جزءاً من وقتي لأصرفه له، ربما ترى أن من حقك ذلك، لكن حتى مع هذا قد أرى أنا أن أولوياتي تختلف عن أولوياتك.

فمن احترامك لوقتي أن تحترم نظرتي؛ لأن الوقت عمري أنا ووقتي أنا، وأنا المسئول عنه، ولست أنت المسئول عن وقتي، ولن تحاسب عليه، وأنا الذي سأسأل يوم القيامة عن هذا العمر فيم أضعته، وفيم أنفقته؟ ومن الأسئلة لا شك السؤال عن الأولويات، فعندما يصرف الإنسان وقته في شيء مفيد فليس معنى هذا أنه اغتنم وقته -كما قلنا قبل قليل- بل هناك أولويات، ولا يستطيع الإنسان ولو عمر عمراً طويلاً أن يأتي على كل الأمور التي يريد.

إذاً: من احترامك لأوقات الآخرين أن تفترض أنهم ربما يختلفون معك في تحديد الأولويات، وأن القضية المهمة عندك ليس بالضرورة أن تكون مهمة عند الناس، أو ربما أن يكون عند الناس ما هو أهم مما عندك.

هذا إذا كنا افترضنا أنك عارف بكل أوقات الناس وفيما يقضونه، فكيف إذا كنت لا تعرف أوقات الناس أصلاً، ولا بما هم مشغولون به.

بعض الناس -من حسن أدبه! - حينما يطلب منك موعداً فتعتذر وتقول له إني منشغل، أن يلح، فتعتذر، فيقول: إذاً ما هو برنامج اليوم؟ وماذا عندك؟ يا أخي! افترض أنه ليس عندي برنامج لكن هذا وقتي وأنا أحر، إذا اعتذرت فافترض أسوأ الاحتمالات، وهو أن ليس عندي رغبة، فيجب أن تحترم أوقات الآخرين، وافترض أني مشغول.

أحياناً بعض الناس عندما تعتذر منه يقول لك: صباح الجمعة، أو مغرب الخميس.

يا أخي! كأن الأوقات لا يعرفها إلا أنت، أنا أظن أن الناس المزحومين في الأوقات أكثر منك معرفة كيف يجدون الأوقات المناسبة حينما يريدون ذلك.

أقول: إن من الاحترام لأوقات الآخرين أن تفترض أنهم ربما يختلفون معك حول أولوياتك، وافترض أنك ما عذرته، وأنك ترى أن هذه قضيتك هي القضية التي يجب أن تتفرغ الأمة الإسلامية كلها لأجلها، فافترض هذا.

ومع هذا فهو المسئول عن وقته، وهو الذي سيحاسب عن وقته، فلا يجوز أبداً أن تفترض أن الناس تابعون لك فيما تريد.

وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى شيء من هذا المعنى، وهو من يضيع وقته مع الناس، فقال: من ذلك -يعني من الإيثار المذموم- أن تؤثر جليسك على ذكرك وتوجهك وجمعيتك على الله، فتكون قد آثرته بنصيبك من الله ما لا يستحق الإيثار، فيكون مثلك كمثل مسافر سائر في الطريق لقيه رجل فاستوقفه، وأخذ يحدثه ويلهيه حتى فاته الرفاق، وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق السائر إلى الله تعالى، فإيثارهم عليه عين الغبن، وما أكثر المؤثرين على الله تعالى غيره، وما أقل المؤثرين الله على غيره! وكذلك الإيثار بما يفسد على المؤثر وقته قبيح أيضاً، مثل أن يؤثر بوقته، ويفرق قلبه في طلب خلقه، أو يؤثر بأمر قد جمع قلبه وهمه على الله، فيفرق قلبه عليه بعد جمعيته، ويشتت خاطره، فهذا أيضاً إيثار غير محمود.

وكذلك الإيثار باشتغال القلب والفكر في مهماتهم ومصالحهم التي لا تتعين عليك على الفكر النافع، واشتغال القلب بالله، ونظائر ذلك لا تخفى، بل ذلك حال الخلق والغالب عليهم، وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله، فلا تؤثر به أحداً، فإن آثرت به فإنما تؤثر الشيطان على الله، وأنت لا تعلم.