الوقفة الثالثة حول المحظورات يمتنع المسلم في الحرم عموماً وحال إحرامه أياً كان عن قتل الصيد، بل عن تنفيره وإثارته، ولا تكاد ترى من يتجرأ على خرق هذا السياج، وهو انضباط محمود ولا شك، لكن ما بالك ترى المسلم الذي يتورع عن قتل الصيد بل عن تنفيره وإثارته، يريق دم أخيه المسلم أو يتسبب في ذلك، كم هي الأنهار جارية من دماء المسلمين في عرض العالم الإسلامي وطوله؟ والبعض منها يسيل بأيد مسلمة فيقتل المسلم أخاه، ويسعى لذلك دون رادع أو وازع، وهو هو الذي كان يتورع في الحرم عن تنفير الصيد وإثارته، إنه يمتنع هنا لأن الله عز وجل قد حرّم عليه تنفير الصيد وقتله، ولكن الله سبحانه الذي حرم عليه ذلك هو الذي حرم عليه دم أخيه المسلم، فما باله يسترخص دم أخيه ويستعظم تنفير طائر أو حمامة؟ وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى وألمح إليه فسأل أصحابه: أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ وحين قرر لهم صلى الله عليه وسلم حُرمت اليوم والشهر والبلد قال:(إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).
كم ترى ممن يتجرأ على انتهاك حرمات المسلمين في عرض العالم الإسلامي وطوله في إراقة دم المسلم، أو السعي إلى ذلك، أو انتهاك عرضه، أو ظلمه في ماله، يتجرأ على ذلك وحين يأتي إلى بيت الله الحرام يتورع عن إثارة طائر أو حمامة، بل تراه يتقرب ويشتري بماله الطعام إلى هذا الطائر أو ذاك يتقرب إلى الله بإطعام هذا الطائر، وينسى أن حرمة دم المسلم أعظم من ذلك كله، ينسى أنه كما قال صلى الله عليه وسلم:(لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم).