للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان الحق والدين]

الأمانة الثالثة: بيان الحق والدين: إن من حق الأمة أن تسمع كلمة الحق واضحة، وإن من حق الأمة أن تعلم دينها؛ فلقد أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا العلم {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:١٨٧]، وعاب الله عز وجل على أولئك الذين لم يفوا بهذا الميثاق، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:١٨٧].

لقد عاب الله عز وجل على أولئك الذين يكتمون ما أنزل الله فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:١٥٩ - ١٦٠]، فلا تقبل توبتهم إلا إذا بينوا، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران:٧٧].

إذاً: مع هذا الوعيد الشديد -معشر الإخوة الكرام- على كتمان ما أنزل الله عز وجل، ومع هذا الذم لأولئك الذين أخذ عليهم الميثاق أن يبينوا للناس دين الله ولا يكتمونه، مع ذلك كله لا يبقى لأحد من هذه الأمة عذر في أن يعلم أمراً مما أنزله الله عز وجل فيكتمه.

فلماذا أنزل الله عز وجل هذا الدين؟! ولماذا أنزل الله سبحانه وتعالى هذه النصوص التي تأمر الناس بالخضوع لله عز وجل وحده دون سواه؟! أليس من حق الناس أن يعلموا ما أنزل الله إليهم؟! لماذا أنزل الله عز وجل هذه النصوص التي تأمر بالاحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى، ونبذ التحاكم إلى ما سواه؟! أليس من حق الناس أن يعلموا هذا؟! أليس مما أنزل الله عز وجل على المسلمين جميعاً أن يتبرءوا من كل كافر؟! فلماذا لا يعلم الناس ما أنزل الله عز وجل إليهم؟! أليس مما أنزل الله سبحانه وتعالى على الناس ألا يأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة؟! أليس من واجب من آتاه الله علماً أن يبين للناس ما نزل إليهم؟! أليس مما أنزل الله عز وجل على الناس أن تحتشم المرأة، وأن تتحجب، وأن تبتعد عن أعين الرجال؟! أليس من واجب من آتاه الله علماً أن يبين للناس ما نزل إليهم؟! وقل مثل ذلك في كل ما أنزله الله عز وجل.

إذاً: فكل ما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه، وجاءت به سنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو حق يجب أن يعلمه الناس كل الناس، ولولا ذلك لما أنزله الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة، وحين نكتم عن الناس هذا الأمر نستحق لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:١٥٩].

أيحق بعد ذلك لأحد من هذه الأمة صغيراً كان أو كبيراً أن يكتم أمراً مما أنزله الله؟! وأن يكتم أمراً من دين الله عز وجل؟! فتبليغ دين الله سبحانه وتعالى فرض على الأمة كلها، وإن من حق الأمة كلها أن تسمع لما أنزل الله عز وجل.