للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضعف الإيمان]

الأسباب لهذه الظاهرة أسباب كثيرة ومتنوعة، وقد يكون بعضها داخلاً في بعض، فأول سبب وأهم هذه الأسباب هو ضعف الإيمان.

قد يكون الشاب مستقيماً يسلك طريق الاستقامة ويجالس الأخيار، لكن إيمانه ضعيف، لذلك مثل هذا الإنسان الذي لا يملك قدراً من الإيمان يعينه على الثبات على هذا الطريق عندما تعرض له شهوة أو شبهة أو له فتنة يمكن أن ينصرف عن الطريق.

عندما نأتي بعود مثلاً ونحفر له في الأرض بحيث تكون قاعدته غير صلبة قد يثبت، لكن عندما يأتي أدنى هواء يسقطه، السبب ليس في مجيء الهواء والرياح، إنما السبب أن القاعدة غير ثابتة، لكن عندما أحفر له في الأرض وأثبته بقوة لا يمكن أن يسقط اللهم إلا إذا أتت العواصف التي تهوي بكل شيء، فهذا أمر آخر، فالسبب هنا والعامل الرئيسي والأساس هو الإيمان.

ولذلك لما ذهب أبو سفيان إلى هرقل وسأله، قال: هل يرتد أحد من أصحابه؟ قال: لا، قال: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا تفارقه أبداً.

وانظروا في أحداث الردة، لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدت فئام من العرب وقبائل بأكملها، بل لم يبق على الإسلام إلا عدد محدود بالنسبة إلى المناطق التي دخلها الإسلام في ذاك الوقت، لكن من الذي ثبت على الإسلام، هل ارتد أحد من أهل بدر، هل ارتد أحد من الذين بايعوا تحت الشجرة، هل ارتد أحد من المهاجرين والأنصار، من الذين عاشوا الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عامة الذين ارتدوا هم من الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤]، فعامة الذين ارتدوا هم من حديثي عهد بالإسلام، لم يدخل الإيمان بعد في قلوبهم، لم يعمر الإيمان قلوبهم، أما أهل مكة والمدينة ومن حولهم من الأعراب الذين قال الله عز وجل عنهم: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة:١٢٠]، أولئك ثبتوا وصمدوا، بل حتى ترى هذا النموذج في أحدهم لما كان في غزوة أحد لما قيل له إن النبي صلى الله عليه وسلم قتل في المعركة قال: وماذا تصنعون بالحياة بعده؟ اذهبوا فموتوا على ما مات عليه.

إذاً: هذا يعطينا درساً أنه كلما كان المرء أقوى إيماناً وأقوى صلة بالله سبحانه وتعالى كان أكثر ثباتاً، فقد دخلت جزيرة العرب في الإسلام، لكن حصلت الهزة بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن موته أمر ليس يسيراً على المسلمين، فأهل المدينة أصابتهم هزة، وبعضهم لم يصدق الخبر، لكن قرأ عليهم أبو بكر الآية، وانتهت الصدمة فاطمئنوا ووثقوا، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ودفنوه، لكن قبائل أخرى ارتدوا من أول صدمة وأول فتنة واجهتهم وخرجوا عن دين الإسلام.

إذاً: يا شباب! الإيمان هو الأساس، ولذا يجب أن نعنى بإيماننا وأنتم تدرسون في العقيدة أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فعليك أن تحرص على أن تسلك أسباب زيادة الإيمان، وتنمي هذا الإيمان في قلبك، وأن تتجنب وتحذر كل الحذر من الأمور التي تنقص من إيمانك، فإنك قد لا تواجه بعد ذلك أي فتنة وأي شهوة تواجهك، أو أي شبهة تصدك عن دين الله سبحانه وتعالى.