للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صلاة النافلة في البيت]

منها الصلاة، وهي أعظم ما يتقرب به الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، أوليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الذي سأل مرافقته في الجنة أن يعينه بكثرة السجود؟ أوليست الصلاة هي أول ركن عملي يجب على الإنسان، وهي ثاني أركان الإسلام، وهي العمل الذي يكفر تاركه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعدون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، فلعلو الصلاة وعظم شأنها ومنزلتها عند الله سبحانه وتعالى صارت أول الأركان العملية وثاني أركان الإسلام، وصارت حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر والشرك، وصارت أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله، وكلما فضلت فريضته فضلت نافلته.

وإذا تأكد وجوب أمر فهذا دليل على محبة الله سبحانه وتعالى له، وعلى أنه يزيد العبد قرباً من الله سبحانه وتعالى، وعلى أن هذا العمل له أعظم الأثر في إصلاح العبد، له أعظم الأثر في إصلاح قلبه وحاله مع الله سبحانه وتعالى.

ومن عظمة الصلاة وعلو منزلتها أن الله سبحانه وتعالى فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم ليس في السماء، وإذا عظمت فريضة الصلاة عظمت نافلتها أيضاً، وإذا كانت الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله فإنه كما في الحديث أيضاً: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة إن صلحت أفلح وأنجح، وإن فسدت خاب وخسر، وإن نقص شيء من صلاته قال الله عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيُكمل بها ما انتقص من صلاته).

إذاً: فصارت نافلة هذه الصلاة وسيلة لأن يكمل بها ما نقص من فريضته، فإذا كان هذا شأن فريضة الصلاة فلا شك أن نافلة العمل قريبة من فريضته، فكلما ازدادت الفريضة فضلاً ازدادت النافلة فضلاً، ولهذا أوصى صلى الله عليه وسلم أن يصلي المرء في بيته، يعني النافلة والراتبة، وثبت في أحاديث عدة منها ما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما واللفظ لـ مسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) وفي رواية له أيضاً: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) ولـ مسلم أيضاً: (إذا قضى أحدكم الصلاة فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً).

وفي قصة احتجاره صلى الله عليه وسلم موضعاً في المسجد وصلاة الناس بصلاته، فصلوا الليلة الأولى، ثم الليلة الثانية، ثم الثالثة ثم لم يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم، وكان فيما قاله لهم صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة).

وهذا نص عام يدل على أن أفضل صلاة المرء ما كان في بيته إلا الصلاة المكتوبة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي الرواتب في بيته، وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على أن يصلوا الرواتب في بيوتهم مع أنه كان في مسجده صلى الله عليه وسلم الذي تضاعف فيه الحسنات، وتضاعف فيه الصلاة، فالصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه، ومع ذلك يأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في بيوتهم، وحقاً وصدقاً فإن صلاتهم في بيوتهم خير لهم من صلاتهم في مسجده صلى الله عليه وسلم مع ما له من الفضل، فغيره من باب أولى، وهذا الأمر هدي راتب عند سلف الأمة، فحين نقرأ سير السلف نرى أنه قد حفظ عن الكثير منهم من أصحابه صلى الله عليه وسلم، ومن تلاهم أنهم كانوا يصلون الراتبة والنافلة في بيوتهم.

في مصنف ابن أبي شيبة أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته.

وفيه أيضاً عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: لقد أدركت زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه وإنه ليسلم من المغرب فما أرى رجلاً واحداً يصليهما حتى يخرجوا فيصلونها في بيوتهم.

وروى أيضاً عن ميمون قال: كانوا يستحبون هاتين الركعتين بعد المغرب في البيت.

وروى عن عبد الله بن يزيد قال: (رأيت السائب بن يزيد يصلي في المسجد ثم يخرج قبل أن يصلي فيه شيئاً) يعني لا يتطوع.

وروى أيضاً عن إبراهيم قال: سئل حذيفة رضي الله عنه عن التطوع في المسجد يعني بعد الفريضة؟ قال: (إني لأكرهه).

بينما هم جميعاً في الصلاة كانوا يصلون الفريضة جماعة، ثم أصبح يصلي كل منهم التطوع لوحده، وهذه ليست دعوة منه رضي الله عنه إلى أن يصلوا التطوع والراتبة جماعة ولكنها دعوة إلى أن يصلوا في بيوتهم.

وروى عن الأعمش قال: (ما رأيت إبراهيم متطوعاً في مسجد).

وأيضاً روى عن الربيع بن خثيم أنه ما رئي متطوعاً في مسجد الحي قط، والربيع بن خثيم من التابعين وهو الذي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: (لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك) كان رجلاً مشهوراً بالزهد والرقة والصلاح والتقوى، وكان من أصحاب ابن مسعود