للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إبراز الصورة الإيجابية]

أيضاً نحن بحاجة إلى التوازن بين إبراز جانب التكليف وإبراز الصورة الإيجابية: حينما نتحدث عن الالتزام نحن أمام كفتين، نتحدث عن الالتزام باعتبار أنه تكليف وباعتبار أن الإنسان بحاجة إلى أن يأخذ الشرع بقوة، وهذا أمر لا شك فيه، لكن أيضاً نحتاج إلى أن نبرز عند الشباب وعند الفتيات أن الالتزام هوية، لماذا لا نجعل الشاب يعتز بالتزامه، يعتز بانتمائه للملتزمين، يفتخر بأنه ينتمي إلى هذا التيار، كما هو حال كثير من الشباب الذي يفتخر مثلاً بتشجيع فريق كروي يفتخر بانتمائه إلى شلة إلى عصابة في الحارة تلبي حاجة عند الشاب في هذه المرحلة، لماذا لا نجعل هذا الشعور عند الشاب الملتزم؟ ألسنا نرى اليوم بعض الشباب إذا قابل زملاءه أو أقرانه حاول أن يظهر بصورة أنه غير متدين، حاول يعدل في مظهره أحياناً، يحاول أن يترك بعض الأشياء التي يفعلها مع الصالحين حتى لا يوصم بأنه متدين؟ لماذا لا نجد الشاب الذي يرفع رأسه ويقول: نعم أنا متدين وأفتخر وأعتز بذلك، ويسعدني أن أرى مثل هذا النموذج.

أذكر موقفاً قديماً لكني لم أنس تلك الصورة وإن كنت لم أفهمها كما أفهمها الآن، حين كنت في سن الشباب في المرحلة المتوسطة، كان أحد الشباب المتدينين يتحدث مع شاب آخر غير متدين، بغض النظر عن اللغة التي كان يتحدث بها والأسلوب، لكن كان يقول: أنت يرضيك الواقع الذي أنت عليه؟ يقول: أسألك ما هو هدفك في الحياة، ما هي رسالتك؟ هذا لا يعرف الهدف إلا في مصطلح الرياضة، فرفع رأسه قال: طيب وأنت لك هدف؟ قال: نعم أنا لي هدف، أنا أحمل رسالة، هل تعتقد أن مظهرك هذا مظهر لائق بإنسان فضلاً عن شخص ينتسب للعلم إلى آخره، وبدأ يلهب ظهره بهذا الحديث.

وحين سأله الآخر عن هدفه ورسالته رفع رأسه معتزاً: أنا أحمل هدفاً، أنا صاحب رسالة وبغض النظر عن الموقف، لكن الشعور الذي يملكه ويحمله هذا الشاب نحن بحاجة إليه، أعتقد أن الشاب الذي في المرحلة المتوسطة أو الثانوية إذا كان يعتز بالتزامه يعتز بتدينه سيكون أكثر ثباتاً، سيكون أكثر تأثيراً، فيمشي مرفوع الرأس، ويبلغ رسالته للناس.

الصورة الأخرى رأيتها حين كنت معلماً قد بدأت أفهم الموقف بشكل أفضل من ذي قبل، كان هناك شاب متدين، ومجموعة من الشباب في ممر المدرسة، فمر هذا الشاب فلمزوه ببعض الأوصاف التي يوصف بها المتدينون، فوقف وعاد وسأل الشاب: ماذا تقول؟ صدم بهذا الموقف، هو اعتاد أنه إذا وصف هؤلاء يطأطئون رءوسهم وينصرفون، تلعثم وقال: يعني: أقول إنك مطوع باللهجة التي يرددها، قال: نعم أنا أفتخر بهذا وأعتز، وأنت فاسق؟ قال: لا، ما أنا فاسق، ما عليش يا أخي، المعذرة! قال: لا، أنا إنسان متدين وأعتز وأفتخر أن أوصف بهذه الصفة، يعني: أنت أولى أن تستحي! فكأنه قال له بلسان الحال: انصرف كما كنت جهولاً.

المقصود: أن هذا الشعور الذي يملكه هذا الشاب نحن بحاجة إليه بغض النظر عن وسيلة التعبير عنه، بغض النظر عن الموقف، أتمنى أن نربي أبناءنا على هذا الاعتزاز، حينئذ سنكون أمام جيل واثق من نفسه، جيل يمكن أن يغير بإذن الله تبارك وتعالى.