الصفحة العاشرة: قبل أن تذبل الزهرة: ها أنت شاب تتدفق حيوية ونشاطاً وقوة وفتوة، ولكن هل تتخيل -أخي الكريم- أن هذه الزهرة اليانعة التي تتمتع بها الآن ستبقى معك أبد الآبدين؟ أرأيت ذاك الشيخ الطاعن في السن وقد شاب شعره، واحدودب ظهره، وأصبح يمشي على ثلاث، بعد أن كان يمشي على اثنتين، وأصبح لا يخطو إلا خطوات وئيدة، ثقل سمعه وبصره، أرأيت ذاك الشيخ؟ إنك لابد لك من أحد مصيرين: إما أن تصير إلى ما صار إليه، أو أن تهلك وتموت وأنت في شبابك، وبعد ذلك تتحسر على هذه الزهرة اليانعة، وعلى هذه الأيام التي أضعتها في غير طاعة الله سبحانه وتعالى.
فهل تتخيل -يا أخي الكريم- أن هذا الشباب سيستمر معك، وهذه الفتوة ستبقى معك؟ بل قد تكون النتيجة قبل ذلك كله مرضاً مزمناً يجعلك تعيش في عداد المعوقين، حينئذٍ تقول: ليتني فعلت قبل ذلك.
اسمع ما يقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنه حينما شدد على نفسه في عبادة الله سبحانه وتعالى، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بالقسط والاعتدال، فماذا قال عبد الله رضي الله عنه الذي كان يصوم كل يوم، ويختم القرآن كل يوم، ويقوم الليل كله قال: يا رسول الله! دعني أستمتع بقوتي وشبابي.
نعم، لقد نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة، لكنه لم ينهه عن الاستمتاع بالقوة والشباب، وكيف كان يستمتع بقوته وشبابه؟ لقد كان يستمتع بها في طاعة الله عز وجل.
ألم تنظر إلى أولئك الشباب الذين حينما يردهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المعركة وهم لم يبلغوا الحلم بعد، ينصرفون وهم يبكون؛ لأنه حيل بينهم وبين أن تراق دماؤهم في سبيل الله عز وجل، فقارن -أخي الكريم- بين أمنيتك وأمنية أولئك، وبين تطلعاتك وتطلعات أولئك.