ثالثاً: إن عدم المصارحة مجال لفتح الباب على مصراعيه أمام من ينتقد وهو لا يريد الإصلاح، هناك من يرتزق ويكتسب من نقد الصحوة والطعن في رموزها وبرامجها ووسائلها، وهي قضية لم تعد خافية على أحد.
أتدرون معشر الإخوة الكرام! أننا حين نمارس حجب الحقائق وحين نسكت الأصوات الناصحة الصادقة فإننا نفتح المجال لأولئك المرتزقة، لأن أولئك الذين يتاجرون لا بد أن ينطلقوا من أخطاء تقع فعلاً فيضخمونها ويستعملون كل أنواع المضاعفات العددية فيضرب العدد في أضعافه ثم يربعه بعد ذلك حتى يجعل من الجزء اليسير خطأ شنيعاً ظاهراً أمام الناس، فيتحدث مع أولئك الذين لم يعتادوا أن يسمعوا إلا الثناء ولم يعتادوا أن يسمعوا النقد فيرون فعلاً أن هناك خطأ وأن أولئك يتحدثون عن واقع فيجتمعون ويستجيبون لأولئك المنتقدين.
لكن لو بنينا منهجاً من النقد الذاتي الصريح وكنا صرحاء واضحين، وسمحنا للصوت الناصح الذي يتحدث بحكمة فينتقد الأخطاء ويضعها في موضعها الشرعي لما وجد أولئك مجالاً، ولكان أقلنا تفكيراً وأضعفنا إدراكاً يستطيع أن يقول وبأعلى صوته لأولئك: نعم، إن ما تقوله فيه جزء من الحقيقة ولكن هذا لا يعني الفشل ولا يعني أن كل ما تقوله هو الحق ولا يعني سلامة نيتك ومقصدك وإرادتك.
إنه لا سبيل لتجاوز هذه العقبة، ولا سبيل لإسكات تلك الأصوات إلا ببناء منهج للنقد واضح صريح نتحدث به عن أخطائنا تحت ضوء الشمس وفي وضح النهار، وإلا فلنعلم أن هذا سينشئ أولئك الذين لا يجيدون النقد سواءً كانوا عن حسن نية أو كانوا عن سوء نية، ولا يهمنا نيتهم، المهم: أن إسكات الأصوات الصادقة التي تجيد النقد والنصح مدعاة لإظهار وبروز تلك الأصوات النشاز الأصوات الشاذة التي لا تعرف المنهج السليم، فتدعو إلى إسقاط كل هذا العمل وذاك الجهد بحجة هذا الخطأ أو ذاك.