للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاقتراب من الكمال في صفات المربي هدف منشود]

وقبل أن نتحدث عن هذه الصفات لابد من أن نعي قضية مهمة، هي أننا حين نسرد قائمة طويلة من هذه الصفات، ثم نأتي فنبحث عنها بين الناس لنرى من تحققت فيه هذه الصفات، ومن منا قد حقق هذه الصفات، حينئذٍ قد يصاب المرء بإحباط، ويرى أنه غير قادر على ذلك، ذلكم أن هناك صفات جبل عليها الإنسان، وأموراً قد لا يستطيع أن يخرج عنها.

إن هناك من الناس من يتصف بالحدة وسرعة الغضب مثلاً، ومهما حاول أن يطبع نفسه على الحلم فإنه سيشعر أنه يقف عند حد معين، وإن هناك من الناس من جبل على العجلة والتعجل في أمره، ويشعر أنه مهما عود نفسه على الرفق سيقف عند حد معين، وإن هناك من الناس من يشعر أنه يفقد العاطفة والرحمة والحنان، ومهما تكلف ذلك سيقف عند حد معين.

وهكذا الناس لهم طبائع وصفات جبلوا عليها، ومهما تخلق المرء فإنه سيشعر أنه لن يستطيع أن يصل إلى الكمال، والبشر بشر لابد أن يكون فيهم قصور.

إذاً: فنحن حينما نذكر هذه الصفات، فإننا لا نفترض أن تكون كلها موجودة في كل إنسان مرب؛ فإن هذا الأمر ربما يكون من المستحيل، وإلا فماذا نصنع بهذا الأب الذي سيكون مربياً شئنا أم أبينا، وقد جبله الله على هذا الخلق أو ذاك؟! وماذا نصنع بهذه الأم أو فلان أو فلان من الناس؟! إن معرفة هذه الصفات تدعونا إلى أن نجتهد قدر الإمكان في تحقيقها في أنفسنا، وفي تحقيقها لدى من يهيئون ويعدون للتربية، وأن نجتهد في الاقتراب منها، وأظن أننا لن نستطيع -بل أجزم أننا لن نستطيع- أن نبلغ الكمال ونصل إلى القمة، ولذا نسعى إلى الاقتراب منها.

فحين نشعر أن في أنفسنا أو في غيرنا قصوراً في صفة من الصفات؛ فإن هذا لا يعني أن نشعر بأنه غير قادر على التربية، أو بأننا في غنىً عنه، فالأمة بحاجة إلى المزيد من الطاقات، فكلما استجلينا هذه الصفات، وأصبحت واضحة أمامنا وماثلة للعيان؛ فإننا سنكون قد وضعنا منارات في طريقنا وفي طرق المربين الذين يسعون إلى الاهتداء بها، ويسعون إلى السير عليها، ولهذا آثرت أن يكون العنوان: (من صفات المربين).

وإنني حين أزعم أنني أريد أن أتحدث عن كل صفات المربي فإنني أدعي أمراً لا أستطيعه ولا أطيقه، لأن هناك جوانب أجزم بأن قصوري البشري وضعفي سيحول دون إدراكي لها، فضلاً عن أن الوقت المخصص للحديث حول هذا الموضوع قد يضيق، ولهذا آثرت أن أتحدث عن بعض الصفات التي أرى أنها ضرورية، وليس بالضرورة -أيها الإخوة- أن تكون هذه الصفات هي أهم الصفات، فإنني قد تجاوزت صفات أرى أنها مهمة وضرورية، ولكن يعلمها الجميع ويدركها الجميع، ورأيت أن أركز حديثي حول صفات وجوانب أرى أننا نقصر فيها، أو أننا قد لا نشعر بأهميتها وضرورتها، ولهذا فإن هذه الصفات التي أتحدث عنها ليس بالضرورة أن تكون كل ما أراه ينبغي أن يكون في المربي، بل ليس بالضرورة كونها أهم ما نراه، فقد بقيت هناك جوانب ضرورية ومهمة أشعر بأنه ينبغي أن أتجاوزها، لا لأنها ليست مهمة، بل ربما تكون أهم من غيرها، وإنما لأنها معروفة ومقررة لدى أمثالكم، فلا أريد أن يكون الحديث تكراراً.