{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}[النساء:٣٤] كما جاء في كتاب الله تعالى، والرجل هو الآمر الناهي، والسيد المطاع في بيته، وهي سنة للحياة الزوجية لا تستقيم بدونها سنة يدركها العقلاء ويتعبد باتباعها المسلمون الأتقياء.
وثمة فئة من الأزواج يدير بيت الزوجية كما تدار المعركة ويبني صوراً من الأوهام حوله.
إن معالم الرجولة لدى هؤلاء استقرت في أن يقول: لا، وأن يرفض إعادة النظر في رأي رآه أو موقف اتخذه أو يوصد الأبواب أمام الحوار أو الاستماع لشريكة عمره وحياته، إن البيوت لا تبنى إلا على التأني والطمأنينة، ولا تشاد أسوارها إلا بالرحمة الشفقة، لذا امتن الله تبارك وتعالى على عباده بهذه المنة:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:٢١].
إن حال أولئك الذين يتصنعون الرجولة في بيوتهم حال من فقد الرحمة والمودة، وأين هم من صاحب الرجولة الحقة الذي آتاه الله كمالها وجمالها حين كان حاجاً للبيت العتيق أصاب زوجته ما يصيب بنات آدم فلم تعتمر معه قبل حجه، وأعلمها صلى الله عليه وسلم أن حجها حج وعمرة لكنها رضي الله عنها سألته أن يأذن لها في العمرة، فما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا أن لبى رغبتها، وصفه جابر رضي الله عنه بقوله:(وكان رسول صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إذا هوت الشيء تابعها عليه).
أين هذا الحال وهذا الواقع من أولئك الذين يفتخرون ويعتزون بأن رجولتهم تتحقق في مخالفتهم لما تريد نساؤهم ولو كانت تريد حقاً مشروعاً ولو كان ما تريده هو الحق، فالسيد والمطاع والرجل الحق عند هؤلاء هو الذي يقول: لا، وهو الذي لا يرضخ لطلبات أهله وزوجته.
وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه عن أحب الناس إليه قال: عائشة، وها هو صلى الله عليه وسلم يعطيها حظها من اللعب واللهو فتقول:(والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللعب).
لكن لينه صلى الله عليه وسلم وحبه لزوجه لم يكن دافعاً له أن يقرها على أمر يسخط الله، فرضا الله أولى من رضا المخلوق، وطاعة الله أولى ما تؤسس عليه البيوت، فها هي تحكي ما رآه صلى الله عليه وسلم وما فعله حين رأى أمراً منكراً تقول رضي الله عنها:(دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: عائشة! أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله، قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين).
تلك مجالات للرجولة يحسب أصحابها أنهم يكونون رجالاً بذلك، وما أتي هؤلاء إلا من جهلهم أو فشلهم في تحقيق الرجولة الحقة، ولو وعوا الرجولة وفهموها لعلموا أنهم ليسوا بحاجة إلى أن يتصنعوها، إنها سلوك يفرض صاحبه إنها روح يبدو أثرها على الناس دون أن يتصنعها صاحبها، أما أولئك الذين يتصلبون أو يركبون الباطل محتجين بأن هذا من شيم الرجال وشأنهم فإن هؤلاء من أبعد عن الرجولة الحقة.