للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النظر في السنن الربانية]

من الأمور المهمة أيها الإخوة! التي تجعلنا نتخلص من اليأس: النظر في السنن الربانية، وهذا الأمر أمر مهم، من ذلك مثلاً أن ننظر أن هذا الدين جاء من عند الله تبارك وتعالى الذي له الخلق وله الأمر، فهو الذي خلق الناس، وهو عز وجل أعلم بهم، بل هو تبارك وتعالى أعلم بالناس من أنفسهم: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

وشرع الله تبارك وتعالى لهم هذا الدين، والله عز وجل لم يشرع للناس إلا ما يطيقون.

وهذا يقودنا إلى نتيجة بدهية أن كل ما أمرنا به الله عز وجل فهو مما نطيق فعله، وأن كل ما نهانا الله تبارك وتعالى عنه فهو مما نطيق تركه والتخلي عنه، ولو عشنا فترة فأنسنا واقعاً سيئاً في ذوات أنفسنا، أو أنسنا منكراً أو معصية داومنا عليها وتخيلنا أنها أصبحت جزءاً منا، فهذا من كيد الشيطان وتلبسيه.

وإلا فمادام الله عز وجل قد نهانا عنها، وحرمها علينا، وكلفنا بالتخلي عنها، فهذا يعني أننا نطيق أن نتجنبها ابتداءً، ونطيق أن نتخلى عنها حينما نقع فيها، وحينما نواقعها، وقد فتح تبارك وتعالى لنا باب التوبة، وباب التوبة لا يغلق.

هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى المجتمعات هناك حقيقة مهمة في هذا الدين، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن كل نبي كان يبعث إلى قومه خاصة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى الثقلين الجن والإنس، بعث إلى الناس عامة، فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ورسالته خاتمة الرسالات، وشريعته خاتمة الشرائع، فلا نبي ولا رسالة ولا شريعة للناس بعد محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن منزلة هذه الأمة وكرامتها على الأمم السابقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، أما هذه الأمة فليس فيها إلا نبي واحد، لكن فيها طائفة منصورة إلى قيام الساعة.

جاء هذا الدين من عند الله خير الأديان، جاءت هذه الشريعة خير الشرائع، اختص الله عز وجل بها خير رسله صلى الله عليه وسلم، واختار الله تبارك وتعالى لها خير الأمم هذه الأمة، وجعل هذا الدين رسالة وشريعة للأمة إلى أن تقوم الساعة.

وهذا يعني أن البشرية تستطيع في كل الظروف والمتغيرات منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة أن تقيم حياتها على أساس هذا الدين، وأن تستوعب كل المتغيرات الجديدة وتقيم حياتها على هذا الدين، وإلا لما كان هذا الدين ديناً خاتماً، ولما كانت هذه الرسالة رسالة خاتمة، لما كان هذا النبي خاتماً للأنبياء لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.

هذا يعني أن المسلمين قادرون على أن يلتزموا بدينهم، أن يقوموا بهذه الرسالة التي حملهم الله إياها، فهم خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقودون البشرية للهداية، والأمم الأخرى هي مخاطبة أيضاً بهذه الرسالة.

أقول: إدراك هذه القضية البدهية يقودنا إلى هذه النتيجة: أن هذه الأمة، بل البشرية كلها يمكن أن تستقيم على هذا الدين في ظل أي متغير، وفي ظل أي عصر، وفي ظل أي ظروف تأتيها، وأنه لا يمكن أبداً أن يتعارض هذا مع التقدم العلمي والتقني، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة حتى يأتي أمر الله)، وفي رواية: (حتى يقاتل آخرهم الدجال).

صحيح أنه تمر بهم حالات مد وجزر، وحالات ضعف وهوان، لكن ستبقى هذه الطائفة إلى أن يقاتل آخرهم الدجال في آخر الزمان.