أن يعترف لك بأن المجتمع فيه مخالفات، وأن المجتمع فيه خلل، ولكن يقول لك: مجتمعنا أحسن المجتمعات يا أخي نحن أحسن دولة في العالم، عندنا أجهزة رسمية غير موجودة في العالم، كجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وعندنا رئاسة تعليم البنات، وعندنا تقام الحدود، والأمور الشرعية ظاهرة، وهكذا يُعطيك قائمة من المزايا التي يمتاز به هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، وهي قضية نسلّم بها ابتداء فنسلّم نحن أن مجتمعنا خير المجتمعات الموجودة في الجملة، ولكن إذا استعملنا هذا المنطق مثلاً ورتبنا المجتمعات الإسلامية الآن وحصل مجتمعنا على ترتيب رقم واحد مثلاً، فسنجد مجتمعاً بترتيب رقم اثنين، ولا بد أن فيه خللاً ومخالفات جعلته يتأخر فيحصل على المرتبة الثانية، فسيقول المجتمع رقم اثنين: أنا أفضل من سائر المجتمعات، وأيضاً سيأتينا مجتمع رقم ثلاثة ويقول: أنا أفضل أيضاً من سائر المجتمعات، حتى يأتينا آخر مجتمع في القائمة فيقول: أنا على الأقل موجود في دستور الدولة أن دين الدولة الرسمي الإسلام، فهو أفضل على الأقل من دولة دينها الإلحاد.
فلماذا نحتج نحن بأننا خير من غيرنا، ولا يحتج الآخرون بأنهم خير من غيرهم، سيقول الآخرون: نعم نحن يفوقنا مثلاً أربعة مجتمعات أو خمسة مجتمعات لكننا على الأقل أفضل من غيرنا، فلماذا لا تذهب إلى الدول الأخرى التي ينص دستور الدولة على أنها علمانية وعلى أنها دولة إلحادية، فهذا هو المنطق نفسه وإن اختلفت الصورة، أو اختلف حجم المقارنة لكن النتيجة التي يؤدينا إليها استخدام هذا المنطق هي النتيجة.
ثم مرة أخرى نطرح السؤال نفسه: هل واقع المجتمع واقع يرضي الله ورسوله أم لا؟ هل هذا الواقع هو الذي اختار الله هذه الأمة لتكون عليه أم لا؟ هب أننا اتفقنا على أن مجتمعنا من أفضل المجتمعات، وأن الظواهر السرية في المجتمع لا تستبعد إثارة الناس وحثهم على الدعوة والمشاركة وأن يتحمل كل منهم مسئوليته، فما مدى تحمل مجتمعنا لمسئوليته في هذا الدين ما دمنا الآن خير المجتمعات، وما دمنا وصلنا إلى المستوى فعلاً المطلوب؟ فالدين ليس خاص بجزيرة العرب، وليس خاصاً بهذه البلاد، بل هذا الدين للبشرية جمعاء، فما مدى قيام مجتمعنا بهذا الدور؟ فالواجب أن تكون سفاراتنا كلها مراكز دعوة لهذا الدين، وتحمل هذا الدين وتمثل هذا الدين، وبعوثنا الرسمية كلها تمثل هذا الدين، ومنتخباتنا الرياضية تمثل هذا الدين؛ لأنها تمثل هذا المجتمع، وكل إنسان يخرج من مجتمعنا يدعو إلى هذا الدين.
نترك هذه القضية ونقول: الآن يتوافد إلى مجتمعنا آلاف الناس من أقطار العالم، سواء من غير المسلمين أو من المسلمين.
فما مدى قيامنا بالواجب الدعوي تجاه هؤلاء؟ يأتينا غير المسلمين، فهل ندعوهم للإسلام؟ وما هي البرامج المنظمة لدعوة هؤلاء للإسلام؟ إنها جهود محدودة قائمة على جهود أفراد، ومهما كانت فهي لا تساوي حجم هذا العدد الهائل من العمالات الوافدة علينا من كافة أنحاء العالم، فهل نحن ننظم برامج لدعوة هؤلاء للإسلام؟ كذلك العمالة المسلمة التي تفد إلى هذه البلاد، نحن كثيراً ما نقول للناس: إننا أهل التوحيد وبلد التوحيد، ونحن الأوصياء على التوحيد وأولئك يقعون في الشرك، وما ينبغي الصلاة خلف رجل لا تدري أهو من أهل التوحيد أم لا؟ لكن ماذا فعل أهل التوحيد لأولئك الذين يفدون.
يأتينا أناس عبّاد قبور، ويبقى في مجتمعنا عشرين سنة، خمسة وعشرين سنة ويذهب إلى بلاده لم يسمع كلمة واحدة، ولم يقدم له دعوة من التاجر الذي يعمل عنده، أو قريبه، أو الذي يصلي معه في المسجد فإذا كنا نوافق هذا الرجل الذي يقول إن مجتمعنا ليس فيه حاجة إلى إعادة الدعوة فيه، فنقول: يا أخي لا نريدك أن تذهب للعالم وإن كان هذا من واجبنا، لكن نريد أن تؤدي دورك تجاه الذين يفدون إلى هذا المجتمع؛ لأن هذا المجتمع ما دام خير المجتمعات وما دام هو بلد التوحيد وهو بلد الحرمين، فيجب أن يكون هو الرائد في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يكون المجتمع بكل ما يمثّله داعياً إلى الله سبحانه وتعالى.