حتى لا يكون حديثنا متشائماً، وحتى نضع الأمل المشرق أمام الراغبين في الاستجابة في الدعوة للعمل، فلنعرج في هذه العجالة للإشارة لبعض العناصر الفعالة والنماذج الجادة العاملة: ذلك الشاب الذي ثنى ركبته في بيت من بيوت الله ليعلم أبناء المسلمين كتاب الله عز وجل، في حين يعيش أقرانه جلسات الانبساط والحديث المتبادل صورة مشرقة من صور العمل الفعال.
وذاك الذي أخذ على عاتقه تربية النشء ومصاحبتهم والتوجه لكل مؤامرات الأعداء التي تسعى إلى غمس الشباب في مستنقع الرذيلة، إنها أيضاً هي الأخرى صورة مشرقة من صور العمل.
والآخر الذي تصدى لإنكار المنكرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار ليله في الأسواق أو في مراكز الاحتفال متحملاً الأذى والمضايقة والمؤامرات، بل حتى والامتناع عن حضور هذه المجالس حيث لا تتيسر له، وقبل يومين كنت أتحدث مع أحدهم فصار يحدثني عن موضوع هذه المحاضرة ويقول: إنه لن يتيسر لي حضورها؛ لأني منشغل بهذا العمل وهذا الميدان، فقلت: لا يعنينا حضورك فأنت من العاملين ولست بحاجة إلى أن ندعوك إلى العمل.
والرابع: الذي رق قلبه للأكباد الجائعة والبطون الخاوية فصار ينفق على المحتاجين فيقوم على شئونهم ورعايتهم في المبرات الخيرية أو الجمعيات الاجتماعية التي تسهر على رعاية حال أولئك، أو الذي يجعل نفسه رهن الإشارة أمام الدعاة والعلماء والمصلحين ولسان حاله أو قاله: أنتظر الأمر والتوجيه فأنا في الطوع وفي السمع والتنفيذ.
ولا ننسى بعد ذلك الشاب الذي اختار الغربة والبعد عن العشيرة والأهل ليعمل في منطقة نائية محتسباً لله عز وجل، فلله دره كلما رأيناه تذكرنا التضحية تذكرنا الصدق تذكرنا العزيمة الجادة تذكرنا مصعب بن عمير ومعاذ بن جبل وغيرهم من أولئك الذين كانوا يغتربون في الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى.
إنها أيها الإخوة! صور كثيرة مشرقة من صور أولئك العاملين، فهاهو الميدان أمامك وإن شئت فاقرأ تاريخ الأنبياء والدعاة والمصلحين تاريخ سلف هذه الأمة، وإن شئت فانظر إلى هذه النماذج التي تراها بعينيك فترى هذه النماذج الفعالة العاملة إنها كلها تقول بلسان حالها: هيت لك إلى الميدان إلى العمل كلها تدعوك بلسان الحال والقال إلى العمل الجاد والمنتج.