للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم البغي على المخالف]

أيضاً من الرحمة بالخلق التعامل مع المخالف: والمخالفون أصناف منهم: المجتهد المخطئ: فقد يجتهد الإنسان ويبذل وسعه في تحري الحق والبحث عن الدليل ثم يقع في خطأ، فيتأول نصاً من كتاب الله أو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف تأويله، أو تبدو له شبهة أو عارض من العوارض فيصل إلى نتيجة خاطئة، فهذا قد قال عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد).

والمجتهد الذي بذل وسعه معذور سواء في الأمور العملية أو الأمور الخبرية، وغالب هؤلاء إنما يقع خطؤه في أمور ليست معلومة من الدين بالضرورة عنده، وقد يخالف أمراً أجمع عليه غيره لكنه قد تعرض له شبهة أو تأويل وله من الخير والفضل والحسنات ما يمحو ذلك، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث.

ومنهم الجاهل المعذور الذي قلد من يثق في علمه وورعه ودينه، أو وقع في أمر جهلاً منه عن حسن نية.

ومنهم متعد ظالم ومبتدع آثم.

ومنهم منافق زنديق.

ومنهم مشرك ظالم.

فالمخالفون والمخطئون لنا ليسوا على طائفة واحدة، وليسوا على درجة واحدة، ولا يجوز أن نحشرهم كلهم في واد واحد.

وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أئمة أهل السنة حديثاً طويلاً مستفيضاً عن الموقف من هؤلاء المخالفين والتعامل معهم، ولهذا فالتعامل مع هؤلاء كل على حسب منزلته، فمنهم من يعذر ويحسن إليه، ومنهم من يغلظ عليه، ومنهم من يهجر، ومنهم من يؤدب على حسب ما هو عليه.

المقصود أيضاً أن أهل السنة لا يبغون على المخالف كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، ويرفقون بمن خالفهم على التفصيل الذي أشرنا إليه.

وأيضاً يجب أن نلحظ هنا في مسألة وصف أهل السنة أنهم يعرفون الحق ويرحمون الخلق، وأن الرحمة بالخلق لا تكون على حساب المنهج، وأن تؤدي هذه الرحمة إلى المساومة على المنهج الإغضاء عن الابتداع والضلال والخطأ.

ومواقف شيخ الإسلام رحمه الله العملية تؤيد هذا المعنى الذي قاله، فهاهي مواقفه مع أعدائه الذين امتحن رحمه الله بسببهم وأدخل السجن وأوذي وصار له ما صار بسببهم، يقول ابن القيم رحمه الله: جئت يوماً مبشراً له بموت أكثر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم ثم قال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسروا به ودعوا له! ولما مرض مرض الوفاة رحمه الله دخل عليه أحد أولئك الذين عادوه وآذوه واعتذر له، فقال: إني قد عذرت وحللت كل أولئك الذين آذوني وخالفوني، ولهذا قال عنه أحد خصومه وهو ابن مخلوف: ما رأينا مثل ابن تيمية حرضنا عليه فلم نقدر عليه، فقدر علينا فصفح عنا وحاج عنا.

والمقصود من ذلك كله أننا ينبغي أن نقتدي بإمام أهل السنة وفرطهم صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق العظيم وهو الرحمة، وأن نرى أنه من تمام انتسابنا إلى منهج أهل السنة أن ننظر إلى سلوكهم وهديهم وورعهم وسمتهم، وأن نقتفي أثرهم عليهم رحمة الله ورضوانه.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن نجاه الله سبحانه وتعالى فكان على مثلما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنه سميع قريب مجيب.

ونترك بقية الوقت للإجابة على ما يتيسر من أسئلة.