يا أبت! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أدام الله علينا وعليكم نعمة الإسلام والصحة والعافية، أحييك يا أبت! بتحية أهل الإسلام، تحية المحبة والمودة، تحية من لهج قلبه بالتوقير والحب لك، ولسانه بالثناء عليك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا أبت! أذكرك مع إشراقة كل شمس وغروبها، أذكرك مع إقبال الليل وإدبار النهار، حين أسافر وحين أقيم، حين أحل وحين أرتحل، فمحياك لا يفارق ناظري، وذكراك لا تزول عن خاطري.
يا أبت! كم هي عظيمة آلاؤك علي، وكم هو جميل إحسانك إلي، ولن أستطيع إحصاء أفضالك، أو عد محاسنك، فأنت الذي تفتحت عيني على رؤياك، وتحملت المشاق من أجلي.
يا أبت! لقد قرأت في كتاب الله عز وجل حواراً بين إبراهيم وأبيه، وفي كل كلمة يقولها لأبيه يصدرها بقوله: يا أبت! فأحببت أن يكون هذا عنوان رسالتي إليك: يا أبت! {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}[مريم:٤١ - ٤٨].
ومعاذ الله يا أبت! أن أضع نفسي موضع إبراهيم، وأضعك موضع أبيه، أو أن أتحول إلى موجه لك ومعلم.
يا أبت! لقد عشت مرحلة من العمر مضت بما فيها، مرحلة غفوة وصبوة، ثم منّ الله علي بالهداية، وجلست طويلاً أفكر تفكيراً طويلاً فيما مضى وأعانيه؛ فقررت بعد طول تفكير، وجزمت بعد طول تردد، أن أسطر لك هذه الرسالة؛ لأتحدث معك بكل صراحة، وأخاطبك بكل وضوح، فأصارحك ببعض ما أرى أنه كان لا ينبغي تجاهي من أساليب تربوية، وأنا أجزم بإذن الله أنك قادر على تجاوز هذه الأخطاء تجاهي أولاً، وتجاه إخوتي ثانياً.
إن المصارحة ضرورة يا أبت! والتهرب من الواقع لن يجني ثماره غيرنا.
يا أبت! لا يَدُرْ في بالك أبداً أن ما أذكره هو عنوان نقص قدرك لدي، أو دليل ضعف محبتك عندي، أو مبادئ عقوق حاشا لله! وإني وحين أسطر هذه السطور لازلت أدعو لك في صلاتي، وما تركت موطناً أتحين فيه الإجابة، وأظن أنه من مواطن الإجابة إلا خصصتك فيه بدعوة خالصة صادقة، ولا زال لساني يفيض بالثناء عليك، والاعتراف بالجميل، أسأل الله أن يعينني على برك وأداء حقك.
وقد تطول فصول هذه الرسالة يا أبت! لكن ذلك خير من أن تطول فصول المعاناة، وسيكثر سرد الأخطاء، لكن ذلك أولى بحال من أن يكثر الندم والتحسر على الإهمال.