للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحج وصلته ببناء الإنسان]

أيها الإخوة الكرام! هذا مدخل بين يدي حديثنا عن الحج وصلته ببناء الإنسان، هذا الإنسان خلقه الله عز وجل وهو أعلم به، وخلقه تبارك وتعالى للعبادة، وحينئذ لن يصلح هذا الإنسان إلا العبادة، وحين خلقه تبارك وتعالى للعبادة فإنه هيأ له من الأسباب ما يعينه على أن يرتقي ويهيئ هذه النفس بهذه العبادة.

إن الذي يعد لوظيفة ما أو مهمة ما لا بد أن يهيأ لهذه الوظيفة، ولا بد أن يعد لها، حينما نريد خطيباً يعتلي المنبر، حينما نريد من يمارس عملاً إعلامياً أو صحفياً، حينما نريد من يمارس عملاً إدارياً فإننا نسلك في ذلك خطوتين مهمتين: الخطوة الأولى: أن نختار من يكون مهيئاً في الأصل، ويملك الاستعدادات.

والخطوة الثانية: أن نعده وندربه ونهيئه لهذه المهمة، هذه المهام المحدود الصغيرة تحتاج إلى إعداد، وتحتاج إلى تهيئة حتى ذلك الذي يمارس هذه المهمة يحتاج بين وقت وآخر إلى تطوير أدائه، فالخطيب على سبيل المثال لا غنى له بين وقت وآخر أن يقرأ، أن يحضر البرامج والدورات، أن يسعى إلى تطوير نفسه وإذا لم يفعل ذلك فسوف يدرك الناس الذين يستمعون إليه ويتابعونه أن أداءه قد قل ولم يصل إلى المستوى الذي كانوا يعهدونه منه، وهكذا مثلاً من يعمل في أي مجال، في مجال إعلامي، في مجال فني، لا بد أن يعد لهذه المهمة، ولا بد أن يتتابع الإعداد لهذه المهمة، خذوا على سبيل المثال الذين يعيشون في الميادين الرياضية، لا بد أن يمارسوا التدريبات بين وقت وآخر، ومهما بلغ هذا الرياضي من تميز ومهما بلغ من إدراك لهذه المهارات فسيبقى محتاجاً إلى الإعداد ومحتاجاً إلى التدريب ومحتاجاً إلى التطوير، إذا كان هذا في مثل هذه المهام المحدودة فكيف بعبادة الله عز وجل، إذاً الإنسان بحاجة إلى ما يهيئه لهذه المهمة ابتداءً، وهذا تحقق في خلق الله عز وجل، وأن الله تبارك وتعالى خلق هذا الإنسان واصطفاه وركب فيه من الخصائص ما يهيئه لهذه العبادة، ثم الأمر الثاني: أنه يحتاج مع دوام الوقت إلى ما يربيه ليقوم بهذه المهمة، وهنا يأتي دور العبادة، فالعبادة تهيئ الإنسان وتربيه، ليكون أقرب إلى ربه تبارك وتعالى، تربيه ليمارس حياته في حياته الدنيا بصورة ترضي الله عز وجل، وهذا ما سنشير إلى جزء منه، وفي القرآن الكريم نجد الإشارة إلى هذه القضية الواضحة، نجد الحديث عن مقاصد العبادات، فإن الله عز وجل قال في شأن الطهارة لما ذكر الله عز وجل الوضوء ثم التيمم وما يتصل به من الحدث الأصغر والحدث الأكبر قال الله عز وجل: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة:٦]، فذكر الله عز وجل في ختام هذه الآية أن الله تبارك وتعالى حينما شرع لنا الطهارة إنما يريد أن يحقق لنا الطهارة: الطهارة الحسية والمعنوية التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه نزل من وجهه كل خطيئة نظرتها عيناه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه نزل من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء) إلى آخر الحديث.

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الطهارة الحسية تحقق للإنسان الطهارة المعنوية، وأن العضو الذي يغسله الإنسان يكون ذلك سبباً في تكفير السيئات التي ارتكبها الإنسان بهذا العضو.

الصلاة التي هي آكد شعائر الإسلام الظاهرة والتي بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها العهد بين المؤمنين وبين أهل الكفر، يقول الله عز وجل عنها: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥]، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وشرعت الصلاة من أجل أن تحقق هذا المعنى وهو النهي عن الفحشاء والمنكر؛ ولهذا نجد أن الصلاة إذا أداها الإنسان كما ينبغي تركت أثرها عليه، وإذا قصر بها الإنسان ضيع ما سواها كما قال الخليفة الراشد رضي الله عنه: واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

والزكاة قال الله عز وجل عنها: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣].

والصيام قال الله عز وجل عنه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣].

وهكذا من تأمل في نصوص القرآن والسنة وجد أن هذه العبادات العظيمة إنما شرعت لمقاصد وآثار، هذه الآثار تربي النفوس وتربي المجتمعات.