للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال شباب الأمة واختلاف نظرة طوائف الناس إليهم]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد: فإن من يتأمل في واقع الشباب الآن يدرك أن هناك شرخاً عظيماً وانصداعاً في هذا الكيان، وهو كيان مهم من كيانات الأمة، وركن ركين من أركان المجتمع ودعاماته، والأمم والمجتمعات إنما تقوم بشبابها، وعندما تتحدث أنت عن الانحراف في واقع الشباب والفساد في كثير منهم لست بحاجة إلى إيراد أدلة على هذه الدعوى، فالجميع يسلم لك بذلك، ولا أظن أحداً أبداً يخالف في هذه البدهية، وأظن أنه من الترف الفكري وإضاعة الوقت أن نسعى إلى إثبات البدهيات، ولكن القضية التي قد يقع حولها الخلاف هي التعامل مع هذا الواقع، فالجميع يتفقون على أن هذا الواقع واقع غير شرعي، وأن هذا الواقع يحتاج إلى تصحيح، وأن هذا الواقع فيه انحراف، وهذه قضية بدهية ويتفق عليها الجميع.

وكما قلت: عندما تتحدث أنت عن أوساط الشباب والفساد والخلل الموجود في هذا الكيان لست بحاجة إلى أدلة ولا إيراد شواهد، بل هذا من إثبات البدهيات، وكما قال الشاعر: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ولكن الخلاف يحصل في منهج التعامل مع هذا الواقع، فهذا واقع يفرض نفسه الآن، أو واقع موجود على الساحة، فكيف نتعامل مع هذا الواقع؟ وكيف نتعامل مع هؤلاء الشباب؟ أظن أن هذه القضية بحاجة إلى أكثر من تفكير، وبحاجة إلى أكثر من جهد، وبحاجة إلى تنوع المجالات والجهود، فهي قضية مهمة من قضايا مجتمعنا، وقضية مهمة من قضايا الدعوة، وأنت عندما تتأمل في أساليب الناس في التعامل مع هذا الواقع تجد أن الناس أصناف شتى: فهناك فئة لا تتجاوز إثارة الأحزان والأشجان والندب لهذا الواقع الأليم، فهو يحدثك عن مرارة الواقع، وعن الفساد والانحراف، ويذكر لك ألواناً من الصور بل وألواناً من الصور الصارخة لهذا الفساد والانحراف، لكنه يقف عند هذا القدر، وهذا القدر يشترك فيه الكثير من الناس، ندب الواقع، والحديث عنه، والانتقاد له يشترك فيه الكثير، ولكن المشكلة ليست هنا فنحن الآن تجاوزنا مرحلة إقناع الناس بفساد هذا الواقع، وهي مرحلة أظن أننا لسنا بحاجة للحديث عنها، وعندما نتحدث عنها وعن مرارتها، ونندب هذا الواقع يجب أن نتحدث بلغة من يريد التغيير لا من يقف عند هذا الحد، فهناك فئة كثيرة -كما ذكرنا بل قد يكون منهم من أهل الصلاح والخير والاستقامة- تقف عند هذا الحد، تقف عند حد انتقاد الواقع، وإثارة الأحزان، والندب على هذا الواقع، والاسترجاع، وهذا منطق العاجزين، ومنطق الكسالى، ومنطق غير العاملين، ومنطق الذين يستسلمون للواقع، وما ترى أحداً يستسلم للواقع إلا صاحب عجز، وأنت ترى الإنسان قد يكون في حالة فقر، وعليه ديون، فتراه يسلك ألف وسيلة ويبحث عن ألف أسلوب ليحتال على هذه المشكلة، ويخرج من هذا المأزق، وترى امرأً يريد هدفاً في الحياة الدنيا أياً كان هذا الهدف، وتكون أمامه العقبات والمشاكل الكثيرة، فتراه يسعى ويفكر ويبحث عن ألف طريق وألف وسيلة؛ ليتجاوز هذه المشكلة.

وهناك أمور مثل هذا تتكرر عندنا كثيراً، فعندما يكون عند الإنسان حاجة في أي دائرة حكومية وقد يكون فيها مشكلة تتطلب تأخير هذه المعاملة، أو تتطلب عدم البت فيها، فماذا يصنع هذا الإنسان؟ تراه يسأل عن المسئول من أي بلد، ويسأل عن أقربائه، ويحاول بطريقة أو بأخرى أن يتصل بأقرباء هذا المسئول؛ حتى يتصلوا به ليقنعوه بحل هذه المشكلة.

وهكذا عندما يتقدم أحد ليخطب ابنته تراه يسأل عنه، وعن أخواله، فما يلبث أن يجد امرأ يحل له هذه المشكلة، فالشاهد: أن الإنسان هنا لم يقف عندما كان صاحب حاجة وإرادة وتصميم، واستطاع أن يحتال على حاجته، واستطاع أن يجد ألف أسلوب، وأما في قضايا دينه فالقضية تقف عند هذا الحد: عند التألم والأحزان والأشجان لا غير.

وهناك فئة أخرى تغرق في الحديث عن وصف المرض، وعن ذكر مظاهره وأعراضه بلغة تبعث على الأسى وتبعث على اليأس والقنوط، وعندما تذكر له بعض النماذج وتحاول أن توجد عنده بصيصاً من الأمل، فتحدثه عن بعض البشائر فإنه يفاجئك ببعض المظاهر الصارخة من الفساد والانحراف؛ ليسعى في تبديد كل أمل لديك في تغيير هذا الواقع، وقد لا تختلف هذه الفئة عن سابقتها، لكن الفئة السابقة فئة تقتصر فقط على مجرد التألم، وأما هذا فهو يزيد وقد يتحدث من خلال منابر ومن خلال وسائل الحديث مع الناس عن الانحراف وعن الفساد وعن الخطأ وعن الضلال وعن انحراف الشباب، ثم يقف عند هذا الحد.

إن هذا وصف للمرض وقد يكون مطلوباً -أحياناً- لإقناع من لا يدرك خطورة المرض، ولكن أن يكون هو العلاج فلا، فعلينا أن نفكر ملياً في هذا الأسلوب، إن هذا الأسلوب غاية ما ينتجه فقط إثارة الاهتمام بالمرض، وإثارة الشعور بالمرض، وأما القضية التي نحتاج إليها فهي العلاج، إننا الآن لا نملك أدنى شك ولا أظن أن أحد