للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المصارحة نوع من الصدق وعدمها ضرب من الكذب المذموم]

معشر الإخوة الكرام! الصدق: خلق محمود، ومطلوب شرعاً، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] ويعد الله سبحانه وتعالى الصدق ضمن صفات عباد الله عز وجل الصالحين: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب:٣٥] إلى آخر الآية وفيها قول الله عز وجل: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب:٣٥] ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) وفي الحديث الآخر: (الصدق مع البر وهما في الجنة، والكذب مع الفجور وهما في النار).

وفي المقابل: فالكذب خصلة شنيعة، وصفة مرذولة يحق على صاحبها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ألا لعنة الله على الكاذبين، وهو سلم وطريق للفجور الذي يؤدي هو الآخر إلى النار: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) وفي الحديث الآخر: (الكذب مع الفجور وهما في النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

وحين يكون المؤمن جباناً أو بخيلاً فإنه لا يمكن أن يكون كذاباً أبداً، وكما أن الصدق صفة مطلوبة شرعاً، وصفة يستحق صاحبها الثناء، وكما أن الكذب مذموم بالشرع مغموص صاحبه بصفة من صفات المنافقين حتى يدعها؛ فهما كذلك في الخلق المستقيم والفطرة السليمة، فما زال الناس برهم وفاجرهم يدركون أن هناك تناسباً بين الكذب وبين السب والانتقاص؛ لذا لا يطيق أحدهم أن يوصف بأنه كذاب.

إن غاية السب والشتم لأي امرئ من الناس كائناً من كان أن تتهمه بأنه كذاب، وحتى أكذب الناس الذي يتخذ الكذب حرفة ويأخذ على ذلك أجراً ويجعله صنعته، هو الآخر لا يرضى أن يوصف بالكذب؛ لأن الكذب صفة مرذولة مذمومة في فطر الناس السوية قبل أن تأتي الأديان باستحسان رفضها وتركها ودعوة الناس إلى الصدق، فما بالكم حين يكون الصدق بعد ذلك بنص الشرع طريقاً إلى البر والبر طريقاً إلى الجنة، وحين يكون الصدق قريناً للبر وهما في الجنة، وحين يكون الصدق صفةً يوصف بها المسلمون والمسلمات وتكون سلماً ووسيلة لأن يعدهم الله عز وجل بعد ذلك بالأجر العظيم.

لئن كانت هذه شناعة الكذب على الناس وممارسته على الناس لئن كان بهذا القدر من الشناعة والرفض، فما بالكم بمن يمارس الكذب على نفسه، إن القضية أكبر شناعة وأكبر خطأً واستخفافاً بالنفس أن يمارس المرء الكذب على نفسه.

نعم معشر الإخوة الكرام! إننا أحياناً نمارس الكذب على أنفسنا أحياناً أفراداً وأحياناً جماعات وبصورة تفرض سحباً من الأوهام المفتعلة وتضع سياجاً يحول دون الرؤية الصادقة الواضحة، فكم نفتعل العمش والعشى بل والعمى والتعامي نفتعل ذلك ونحن نستطيع أن نبصر الحقيقة بأم أعيننا! ومن حقنا أن نتساءل: من المستفيد والخاسر من حجب الحقائق وافتعال الضبابية حول الواقع؟ لئن كان الكذب على الناس مرفوضاً.

بالفطرة السليمة والشرع القويم، وكان من خلق الرجل الجاد فضلاً عن الرجل الملتزم بالشرع أن يكون صادقاً أن يكون صريحاً أن يكون واضحاً في حديثه مع الناس فأحرى به أن يكون صادقاً وواضحاً وصريحاً مع نفسه!