للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النخوة والعزة والإباء]

المجال الرابع: النخوة والعزوة والإباء الرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء وهم الذي تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان، وقد كان للعرب الأوائل اعتناء بالشجاعة والنخوة، وكانت من مفاخرهم وأمجادهم، جاء في بلوغ الأرب: والعرب لم تزل رماحهم متشابكة وأعمارهم في الحروب متهالكة وسيوفهم متقارعة قد رغبوا عن الحياة وطيب اللذات، كانوا يتمادحون بالموت ويتحاجون به على الفراش ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه.

يقول أحدهم: إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد وإن أدع للجلى أكن من حماتها وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد ويقول قائلهم: إني لمن معشر أفنى أوائلهم قول الكماة ألا أين المحامونا لو كان في الألف منا واحد فدعوا من فارس خالهم إياه يعنونا ولا تراه وإن جلت مصيبتهم مع البكاة على من مات يبكونا فجاء الإسلام فربى أبناءه على الشجاعة والعزة والحمية، وجعل الجبن والهوان من شر ما ينقص الرجال، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع) رواه أبو داود.

وكان القدوة للأمة في الشجاعة رسولها صلى الله عليه وسلم، أخرج الشيخان واللفظ لـ مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لـ أبي طلحة رضي الله عنه وفي عنقه السيف وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا).

وفي حنين حينما انكشف المسلمون ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: (ولقد كنا إذا حمى الوطيس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع الذي يحاذي به).

وهذب الإسلام العزة والشجاعة فلم تعد عند أتباعه ميداناً للفخر والخيلاء، بل هي ميدان للنصح في الدين والذب عن حياضه، والخوف من أهل الضلال تلبيس من الشيطان، والمؤمن الذي يمتلئ قلبه بمخافة الجبار لا يخاف سواه: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥] {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:١٥٠] ومن ثم فلن يأتي المرء الخوف إلا من قبل نقص الإيمان، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه.