[الأمة الواحدة]
القضية الرابعة حول منهج الأنبياء: الأمة الواحدة.
وتبدو قضية الأمة الواحدة قضيةً واضحة المعالم وصورةً محددة يدركها قارئ كتاب الله عز وجل حين يتأمل أي سياق ورد في قصص الأنبياء، بل قد نص الله عز وجل على ذلك تعقيباً على قصص الأنبياء قائلاً: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:٩٢].
والأمة والواحدة لا ينتهي مداها في دار الدنيا بل يمتد إلى الدار الآخرة حين يقف الناس للحساب والجزاء والمساءلة، فيقف أنبياء الله عز وجل، إذ جاءوا لنوح عليه السلام فيقول الله سبحانه وتعالى له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد هذه الأمة.
معشر الإخوة الكرام! إن هذا يجعل المسلم يتخطى حاجز الزمن ويلغي فوارق الزمن فيرى أنه ينتمي إلى جيل واحد وإلى أمة واحدة وحزب واحد هو حزب الله: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:٢٢] فهو يرى أن تاريخه لا يقف عند حدود ستين عاماً ولا عند حدود آبائه وأجداده أو حدود فلان وفلان بل ليس عند حدود هذه الأمة، فهو ضارب في أطناب وجذور التاريخ منذ أن هبط آدم عليه السلام فهو يرى أنه ينتمي إلى أمة واحدة.
وتجنى هذه الثمرة وتتم وحدة هذه الأمة يوم القيامة حين تشهد هذه الأمة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم هناك المحاكمة والمقاضاة، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا} [الفرقان:٢٧ - ٢٨].
هناك يوم يقول الله عز وجل عن الظالمين: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:٤٢ - ٥٠].
حينها يتصل هذا الوثاق وهذا الرباط فتأتي هذه الأمة لتشهد في هذا المقام بأن نوحاً قد بلغ الرسالة، وأن هوداً قد أدى الأمانة، وأن صالحاً قد بلغ ما اؤتمن عليه، وتشهد لسائر أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
إن من نتاج وحدة الأمة وحدة أمة الأنبياء إن اتحدت مواقف أعدائهم منهم، واقرءوا كتاب الله عز وجل لتروها صورة واحدة كل نبي يعيش صراعاً مع طغاة قومه: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف:٧٥] الملأ الذين كفروا من قومه، وهكذا يتزعم الملأ قضية المواجهة من أنبياء الله عز وجل مع كل نبي ورسول يرسله الله إلى خلقه.
ومن العجيب أن تتحد الأساليب والطرق ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:٥٣] فكأن هؤلاء قد تواصوا واتفقوا على أسلوب واحد يواجهون به رسل الله والدعاة إلى منهجه لكنهم قوم طاغون.
لا ينبغي العدوان بالسخرية والاستهزاء، {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود:٢٧].
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:٩١].
{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود:٦٢].
وقالوا لهود: {إِنْ نَقُو