للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عيب الذين قلدوا السادة والكبراء]

ثالثاً: ينعى عز وجل على أولئك الذين يقلدون السادة والكبراء كما نعى على الذين قلدوا آباءهم وأجدادهم، وعلى الذين قلدوا الأحبار والرهبان، يقول الله عز وجل في آيات كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى تحكي لنا ذاك الحوار الذي يجري يوم القيامة بين أهل النار، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب:٦٧ - ٦٨].

إن من يسير وراء سادته وكبرائه مغمضاً عينيه ينبغي أن يضع نصب عينيه هذه الآية الكريمة حتى لا يكون من أولئك الذين يقولون هذا الكلام: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:٦٧].

وفي سورة غافر يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:٤٧ - ٤٨] نعم لقد حكم الله سبحانه وتعالى بينهم بالعدل والقسط، وما كان الله سبحانه وتعالى ليظلم أحداً، لقد كان على أولئك الذين استُضعفوا أن يحكّموا عقولهم وأن يفكروا ملياً فيما ورثوه عن أولئك الذين استكبروا، وأن لا يغمضوا عيونهم ويسيروا وراء أولئك ويتبعوهم دون حجة أو برهان، ألم يخلق الله لهم عقولاً؟ ألم ينزل الله سبحانه وتعالى كتباً متلوة؟ ألم يرسل الله سبحانه وتعالى رسلاً يدعون الناس لكلمة الحق؟ فلماذا يغمضوا أولئك عيونهم؟ ولماذا يعطلون عقولهم ليسيروا وراء كبراءهم ويتبعوهم وتكون النهاية أن يتبرءوا منهم يوم لا تنفع البراءة! ومع مشهد آخر في كتاب الله يحكي أيضاً هذا الجدل والتعاتب في سورة إبراهيم، يقول سبحانه وتعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:٢١].

وفي سورة سبأ يقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} [سبأ:٣١ - ٣٢] لقد سموه هدى وأتاهم الهدى {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سبأ:٣٢ - ٣٣].

نعم هذا عملهم، لقد كان باستطاعتهم أن يفكروا، كان باستطاعتهم أن يتبعوا الهدى الذي آتاهم الله إياه، الذي يقرءونه في كتاب الله عز وجل ويسمعونه من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، والله عز وجل يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:٥٩].

إذاً فتقليدهم لكبرائهم، تقليدهم لأسيادهم، تقليدهم لطغاتهم الذين دعوهم إلى أن يمرّغوا جباههم أمام أضرحة يرجون منها التبرك، تقليدهم لكبرائهم الذين أفتوهم أن الصلاة قد تسقط عنهم، وأن الصيام لا يعدو أن يكون كتم أسرار، تقليدهم لكبرائهم وطغاتهم الذين أصبحوا يفسرون لهم كلام الله عز وجل على ما لا يحتمل فيسيرون وراءه، أو تقليدهم لكبرائهم الذين يدعونهم إلى الشهوات وإلى أن يسيروا وراءهم قادهم إلى هذه النهاية المؤلمة عافانا الله وإياكم، وهي أن يتخاصموا ويتجادلوا يوم القيامة في النار لكن حين لا ينفع الجدل، ولا تنفع الخصومة، ولن يجزيهم الله عز وجل إلا بما كانوا يعملون وما كان الله سبحانه وتعالى ليظلم أحداً.

حينها يسدل الستار بعد أن يقول الشي