فإنك تجد فئة كبيرة من الناس عندهم حرص على العبادة، وعندهم حرص على نوافل العبادات، وعلى نوافل الطاعات، وعندهم اجتهاد مثلاً في أمور من الخير نتمنى أن نملك قدراً من هذا الاجتهاد الذي لديهم.
والكثير من هؤلاء إنما يؤتى من جهله بمراتب فضائل الأعمال، ولذا من وسائل الشيطان وأساليب الشيطان في إضلال الناس أن يشغل العابد بالمفضول عن الفاضل، ولا شك أنه كما قال ابن الجوزي: ألست تبغي القرب منه -يعني: من الله سبحانه وتعالى-؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد؛ لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم.
والإمام ابن القيم رحمه الله يقول: الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته: وقوفه في الصف ساعة، وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع، والعالم الذي عرف السنة، والحلال والحرام، وطرق الخير والشر: مخالطته للناس، وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله، وتفريغ وقته للصلاة، وقراءة القرآن، والتسبيح.
وقبل ذلك كله يقول الله سبحانه وتعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة:١٩].
فأنا أرى أنه من وسائل تشغيل هذه الطاقات: أن يعرف هؤلاء مراتب فضائل الأعمال، وأن من أفضل الأعمال الانشغال بنفع الناس، وأفضل نفع للناس هو إنقاذهم من الضلال، إنقاذهم من الظلمات إلى النور.
أليس الله سبحانه وتعالى يقول:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:١١٤]؟ فالله سبحانه وتعالى رتب الأجر العظيم على هذه الأعمال؛ لأنها أعمال متعدية للناس نفعها ليس قاصراً على صاحبها وحده.