للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الضرب البدني في العملية التربوية]

السؤال

نريد توضيحاً شافياً لقضية استخدام العقاب البدني في التربية من منظور الشرع، ونرجو إلقاء الضوء على ثمرة التعاون بين المربين والمعلمين خاصة، ونسأل الله أن يثيبكم؟

الجواب

أولاً: الشرع جاء بالضرب كوسيلة للتربية في الحدود، فهناك من الحدود ما يستوجب الجلد، كما في حد القاذف، والزاني البكر، وشارب الخمر، وجاء الشرع بالإذن بالضرب في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله).

والصحيح في قوله: (حد من حدود الله) أن المقصود به: أوامر الله ومعاصيه، وليس المقصود بذلك الحد العقوبة المقدرة، وإلا فلا يجوز أن يعزر الإنسان بأكثر من عشرة أسواط، فحينما يقع الشخص في خطأ يجوز أن يعاقب، لكن لا يجوز أن يزاد على عشرة أسواط إلا إذا كان في حد من حدود الله، أي: مخالفة لأمر الله، كما قال تبارك وتعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:٢٢٩].

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأولاد حين يمتنعون عن الصلاة لعشر سنين، بل في القرآن أخبر الله تبارك وتعالى أن من الأساليب التي قد يستخدمها الزوج مع زوجته أن يضربها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح).

فنقول: حينما يأتي الشرع بتقرير هذه العقوبة لا يجوز أن نلغيها أبداً، وحينما نقول: إن الضرب ليس وسيلة تربوية وإنه لا يصلح؛ فإن هذا اعتراض على شرع الله، والله هو الذي خلق الإنسان، ويعلم تبارك وتعالى نفسه وعواطفه، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

لكن القضية الأخرى: هل الضرب هو الوسيلة المناسبة في كل وقت وكل حين؟ هنا السؤال مهم، وهذا الخطأ الذي نقع فيه أيها الإخوة، فالخطأ الذي نقع فيه ليس أننا نضرب، إنما لأننا نضرب في موطن لا يستوجب الضرب، ونضرب في موطن لا يستحق ذلك، وحين نضرب لا نضرب ونعاقب بالطريقة المناسبة أيضاً.

والنبي صلى الله عليه وسلم الذي علمنا ذلك عامل من خدمه عشر سنين صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لشيء فعله: لم فعلته؟ ولم يقل لشيء لم يفعله: ألا فعلته؟ فهو صلى الله عليه وسلم يشهد بذلك، وهو الذي شرع لنا صلى الله عليه وسلم ضرب الزوجة في بعض المواطن وقال: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح)، ثم حكى عن أولئك الذين يضربون أزواجهم فقال: (إنهم ليسوا بخيارهم).

فهذا يدل على أن القاعدة والأصل خلاف ذلك، فالعقوبة -أيها الإخوة- أياً كانت -سواء كانت عقوبة بدنية أو غيرها- إنما هي حينما لا يجدي غيرها، والأصل هو الإقناع، والأمر، والتربية، والتوجيه، ثم نتدرج في العقوبة إذا شعرنا حينها أن الضرب هو العقوبة المناسبة، فعلينا حينئذٍ أن نضرب بأسلوب مناسب، ثم إذا ضربنا نضرب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح) ضرباً لا يقترن بالانتقام والتشفي.

وهناك قضية أخرى مهمة أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا زنت أمة أحدكم فليجدلها الحد، ولا يثرب) أي: يجلدها ولكن لا يلومها ولا يؤنبها؛ لأن هذا الجلد هو العقوبة التي استحقتها، فنحن نضرب أحياناً التلميذ والابن، ونؤنبه، ونثرب عليه، وفي كل مناسبة نذكره بهذا الخطأ الذي وقع فيه، فحين نضرب يجب أن نقتصر على هذه العقوبة فقط، ونتجاوزها بعد ذلك، ولا نكثر من اللوم والتأنيب، وإذا كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التثريب على هذه الأمة وقد وقعت في كبيرة من السبع الم.

وبقات؛ فكيف بما دون ذلك؟!