لا يكلف الله نفساً إلا وسعها
أيضاً هذه تقودنا إلى قضية أخرى مهمة: من القضايا الكثيرة التي نجد الشباب يطرحونها، مثلاً عندما تنصح أحد الشباب تقول له: اترك هذا العمل؛ فإنه لا يرضي الله ورسوله، يقول لك: أنا أعرف أن هذا العمل حرام، وأعرف أنه لا يرضي الله ورسوله، وأعرف أن نتيجته نتيجة مزعجة في الدنيا قبل الآخرة، لكن لا أستطيع.
فأقول: قبل أن ندخل نحن وإياك في جدل ونقاش تستطيع أو لا تستطيع، نعود إلى القضية التي قلناها سابقاً، أنت لماذا خلقك الله؟ خلقك الله عز وجل لعبادته، والذي خلقك هو الله تبارك وتعالى، وخلق جوارحك، وخلق حواسك، وخلق ما في الكون هذا كله، وقد خلقك تبارك وتعالى بهذه الطبيعة التي فيك، وبهذه الغرائز، وبهذه الجوانب كلها؛ لأجل عبادة الله تبارك وتعالى.
إذاً: معنى هذا الكلام باختصار أنه ما دام الله هو الذي خلقك، وخلقك بهذه الطبيعة، وبهذه الخصائص، وبهذه الصفات، وأمرك بالعبادة، إذاً: معناها أنك قادر أن تؤدي هذه الوظيفة وهذا الدور، فإن من صفات الله عز وجل العلم، ومن صفاته عز وجل الحكمة.
فهل تتصورن لو اعتنى شخص خبير -مثلاً- وصمم لنا اللاقط الصوتي، على أساس أن يلتقط لمسافة عشرة أمتار، ثم جاءنا فني بسيط وكشف عليه وقال: هذا لا يمكن أصلاً، وهو غير مؤهل أن يقوم بهذا الدور.
سنقول: الذي صنع هذا إنسان خبير، وقد جهزه بطريقة معينة تجعله يعمل في هذا الظرف وهذا الوضع.
فالذي خلقك أنت هو الله تبارك وتعالى، وهو يعلم أن البشر يمكن تقع عنده مشكلات، يمكن ينسى، يمكن يجهل، لكن الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يجهل شيئاً، ولا يمكن أن تخفى عليه خافية تبارك وتعالى، فالله هو الذي خلقك، ولما خلقك الله لعبادته معنى هذا الكلام تلقائياً أنك قادر أن تقوم بهذا الدور، حينما خلقك الله عز وجل وأمرك بأوامر، ونهاك تبارك وتعالى عن معاص، هذا معناه أنك تستطيع أن تجتنب هذه المعاصي، وهذا معناه أنك تستطيع أن تأتي بهذه الأوامر.
لا يمكن أبداً أن يكون الله عز وجل الذي خلقك، وهو تبارك وتعالى يعرف نوازعك، ويعرف طبيعتك، ويعرف قدراتك، ويعرف مشكلاتك، ويعرف كل الواقع الذي يحيط بك، لا يمكن أبداً أنه تبارك وتعالى يأمرك بأشياء أنت لا تستطيع أن تعملها، ولا يمكن أنه تبارك وتعالى ينهاك عن أشياء لا تستطيع أن تتركها.
أضف إلى ذلك أنك تعرف أنه تبارك وتعالى مع ما يتصف به تبارك وتعالى من علم ومن حكمة، فالله تبارك وتعالى عليم خبير حكيم عز وجل، أيضاً هو عدل تبارك وتعالى، لا يظلم الناس مثقال ذرة، هو رحيم بعباده، رءوف بعباده تبارك وتعالى، لا يمكن أن يظلم الناس، هل تتصور أن الله عز وجل يخلق إنساناً غير قادر أن يترك المعصية، ثم يقول له: أنا حرمت عليك هذه المعصية، وإذا وقع فيها حاسبه وعاقبه تبارك وتعالى، لا يمكن أبداً أن يتصور هذا؛ لأن هذا الإنسان أصلاً ما خلق إلا لعبادة الله تبارك وتعالى، وعبادة الله عز وجل تتمثل في فعل الطاعات واجتناب النواهي.
إذاً: هذه الحقيقة البدهية وهي أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله تبارك وتعالى، يترتب عليها تلقائياً أن كل شيء نهانا الله عز وجل عنه، فنحن نستطيع أن نتركه، ونستطيع أن نتجنبه.
والقضية ليس فيها مجال للمخادعة، فأنت تستطيع أن تخادع البشر، وتستطيع أن تلف وتدور، وتستطيع أن تتصنع أشياء كثيرة، لكن أمام الله عز وجل لا، يختم الله تبارك وتعالى على لسان هذا العبد، ثم تنطق عليه جوارحه، يده ورجله وساقه وسائر أعضائه كلها سوف تنطق عليه أمام الله عز وجل، فلا يوجد مجال للمخادعة.
إذاً: لنكن واقعيين مع أنفسنا، حينما خلقنا الله تبارك وتعالى لعبادته، فهذا يعني أن الوظيفة الأساسية لنا في الكون كله هو تحقيق هذه القضية، وهذا يعني أن قيمتك الحقيقية بقدر ما تكون عبداً لله تبارك وتعالى، وأنك كلما ابتعدت عن هذا الطريق أصبحت إنساناً يعيش على الهامش، وهذا يعني القضية التي تهمنا كثيراً ويجب أن نضعها قاعدة لنا في حل مشكلاتنا والتعامل مع حياتنا أنه ما دام الله عز وجل حرم علينا أمراً، فنحن قطعاً نستطيع أن نتركه؛ لأن الله خلق الناس وهو يعرفهم تبارك وتعالى، يعرف الله أن فيهم ذكياً وفيهم غبياً، أن فيهم إنساناً قوي الشخصية وفيهم ضعيف الشخصية، يعرف كل هذه القضايا، والتكليف الشرعي ما جاء لطبقة معينة، جاء للناس كلهم، هذا يعني تلقائياً أن كل إنسان كلف بهذه التكاليف، فهو قادر على أن يمتثل بها، وقادر على أن يسير عليها.
هذه القضية يجب أن نعيها، ويجب أن نربطها بالقضية الأساس والأولى التي بدأت بها الحديث، وهي أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله تبارك وتعالى، والله هو الذي خلقنا بهذه الطبيعة وبهذه النوازع، وبهذه الظروف، خلقنا تبارك وتعالى بطبيعة معينة، وبكيفية معينة، تعيننا على تحقيق هذه القضية، تعيننا على أن نكون عبيداً لله عز وجل حقاً، تعيننا على أن نمتثل أمر الله تبارك وتعالى ونجتنب نهيه.
أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يمتثل أوامره، ويجتنب زواجره ونواهيه، إنه تبارك وتعالى سميع مجيب.