[نماذج من التاريخ في الدور الإيجابي للمراهقين]
حقيقة أخرى أيضاً: نماذج التاريخ، حين نقرأ في التاريخ، نرى نماذج ممن عاشوا في هذا السن، وهذه المرحلة تثبت لنا أن هناك وجهاً آخر لعالم المراهقة غير الوجه الذي يبديه علم النفس المعاصر، فتقرءون في القرآن الكريم قصة أهل الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:١٣ - ١٤].
ويحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن قرية كاملة قد آمنوا ودخلت في دين الله سبحانه وتعالى على يد شاب يعيش في هذه المرحلة التي يسمونها مرحلة المراهقة، واستطاع أن يصمد، وأن يبقى بإذن الله عز وجل وتوفيقه أمام الابتلاء، وأمام الإيذاء، وأن يقدم نفسه رخيصة لله سبحانه وتعالى، فيؤمن الناس حين رأوه، وتبقى قصة محفوظة منقوشة في ذاكرة التاريخ، يتغنى بها الصغير والكبير، ويرددها الجميع.
وهكذا لنرى أن أثر ذاك الشاب -المراهق في المصطلح المعاصر- لم يكن قاصراً على أهل قريته، بل امتد على مدى الزمان ما دامت هذه القصة تتلى ويتحدث عنها الناس.
إنا حين نعود إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ونقرأ حياة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نرى نماذج عدة، ونرى عجباً من أولئك الشباب الذين كانوا في هذه السن، كيف كانوا في العلم والجهاد والعبادة؟ ولنستعرض أسماء بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان لهم القدح المعلى، والذي نسمع دائماً ونقرأ في كتب السنة، عن فلان بن فلان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين نتغنى بأمجادهم وبطولاتهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشرنا معهم.
من هؤلاء جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو من رواة الحديث المكثرين، كان عمره عند الهجرة ستة عشر عاماً، وكان أراد أن يحضر غزوة بدر وأحد فمنعه والده لأنه كان يريد أن يحضر هذه الغزوة، واستشهد فيها والده، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدري ما قال الله لأبيك؟ لقد كلمه الله كفاحاً)، وهو ممن نزل فيهم قول الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:١٦٩]، ثم لم يفته بعد ذلك مشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم أيضاً عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه بايع بيعة الرضوان، وعمره سبع عشرة سنة، وقد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الموت، وأهل بيعة الرضوان هم أولئك الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨].
وقال فيهم صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة).
وأيضاً من شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو جحيفة وهب بن عبدالله السوائي رضي الله عنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان مراهقا.
ومنهم أيضاً عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزه، وعرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، وهو ممن بايع تحت الشجرة، فكانت عمره عندما بايع تحت الشجرة ستة عشر عاماً، فشهد بيعة الرضوان وهي التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨].
وهم أيضاً الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار أحد من بايع تحت الشجرة).
ومنهم أيضاً سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ومواقفه مشهودة مشهورة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب غزوة ذي قرد، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (خير رجالتنا سلمة وخير فرساننا أبو قتادة).
وهو الذي كان في غزوة حنين، فجاء جاسوس من المشركين إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجلس معهم ساعة ثم ولى، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بلحاقه فلحقه على قدميه حتى أدركه وقتله، وكان عمره رضي الله عنه عند الهجرة ست عشر عاماً.
وعبد الله بن عباس رضي الله عنه ولد في الشعب قبل عام الهجرة بثلاث سنين، قال في حديثه المشهور في الصحيحين: (أقبلت على أتان وقد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى).
ومنهم أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه كان عمره عند الهجرة عش