الصفحة الخامسة: هلا قرأت التاريخ: أسماء أظنك لا تجهلها، وأظنك وإن تعلقت بالرياضة والفن والساقطين والغناء، فأظن بل أجزم أن هؤلاء أحب إلى قلبك من أولئك الساقطين، لعلك قد سمعت عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب ومعاذ ومعوذ ابني عفراء، وغيرهم من شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
إنهم أيضاً بشر مثلك، لكنهم انتصروا على أنفسهم أولاً قبل أن ينتصروا على أعدائهم، فسطروا للأمة تلك الصفحات البيضاء الناصعة؟ أرأيت أسامة بن زيد رضي الله عنه يقود جيشاً يواجه به أعتى قوة دولية في ذاك الوقت وعمره دون عمرك، عمره لم يتجاوز العشرين عاماً؟ أظن أنك تسمع عن بلاد السند والهند، وما وراء النهر، أتدري من الذي نقل الإسلام إلى أولئك؟ أتدري من الذي حطم الوثنية التي كانت جاثمة هناك؟ إنهم شباب بعضهم في سنك، أو دونك، أو أكبر منك، المهم أنهم يعيشون المرحلة التي تعيشها.
لعلك -يا أخي- قد سمعت بشاب كان دون العشرين من عمره، عاش في بيئة تغص بالشرك والوثنية ليس فيها من يقول: ربي الله إلا راهب واحد مستخفٍ في رأس جبل، وحين دخل هذا الدين قلب هذا الشاب؛ جاء ليقوم بهذا الدين، ويواجه به الناس، ويقدم نفسه رخيصة لله سبحانه وتعالى؛ حتى يمن الله عز وجل عليه بعد ذلك بأن تهتدي على يديه قرية كاملة ثم يذهبون شهداء، {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}[البروج:٤ - ٧].
إنه شاب مثلك، لم يصحب نبياً، إنه عاش واقعاً أجزم أنه أسوأ من الواقع الذي تعيشه، عاش في بيئة ليست مليئة بالشهوات فقط، بل تغص بالشرك والعبودية لغير الله، ومع ذلك قام وحده دون معين ودون ناصح؛ ليعلن كلمة الحق، ليعلن أن لا إله إلا الله، ولا رب إلا الله، ثم بعد ذلك منّ الله عز وجل عليه بالشهادة في سبيله، ومنّ الله عليه بأن تدخل الأفواج من الناس في دين الله على يديه، قائلين: آمنا بالله رب الغلام.
فما الفرق بينك وبينه؟ أليس شاباً مثلك؟ أليست هذه النماذج كافية بأن تجعلك تودع حالة الغفلة والإعراض إلى غير رجعة، وأن تطلقها ثلاثاً؟