رابعاً: الجمع بين المتفرق: من العجب أن تجد شخصاً يلزم بمسألة وهو قد صرح بنفيها في موضع آخر، أضرب لكم مثالاً عن سيد قطب رحمه الله فقد كان أديباً، والأديب يستطرد، فقال في سورة (قل هو الله أحد): إن المسلم يشعر بأن هذا الوجود صادر عن واحد، فلا يرى إلا الله سبحانه وتعالى.
فهذه عبارة توهم منها أنه يرى وحدة الوجود، فجاء البعض وقال: إنه يرى وحدة الوجود، بينما هو قد صرح في موطن آخر أنه لا يرى وحدة الوجود، وصرح بانتقاد أصحاب وحدة الوجود بالاسم، وانتقد ما هم عليه، فهذا الكلام يعطيك قناعة أن الرجل ما يعتقد هذا، وإلا لما صرح به.
الرجل كان له مواقف مع جمال عبد الناصر ومع حمزة البسيوني، ومع غيرهما من الطغاة؛ فهل كان يعتقد أن جمال عبد الناصر هو الله مثلاً؟ لأن أصحاب وحدة الوجود يرون أن كل شيء هو الله، لو كان يعتقد أنه الله لما حدثت بينهما مشكلة.
عندما نكون منصفين فسنصل بداهة إلى هذه النتيجة.
صورة أخرى أيضاً من الشخص نفسه، عندما تحدث عن الكون وخلق الله عز وجل، يقول: إن المسلم يرى أن هذا الكون من خلق الله عز وجل، فهو يحب كل ما في هذا الكون؛ لأنه يرى أن هذا الكون صادر عن الله عز وجل، هذه عبارة شخص أديب، فجاء رجل فاضل، فقال: هذا يترتب عليه أنه يحب الشياطين، ويحب الكفار! مع أن له مواقف واضحة من اليهود والنصارى والكفار إلى غير ذلك.
شخص يقول كلاماً فيفهم منه أنه يرى رأياً ما، بينما تراه قد ألف كتاباً كاملاً في تفنيد هذا الرأي ومناقشته، فهل يمكن أن نتهمه بعد ذلك بأنه يقول هذا الرأي؟! هذا منطق غير مقبول، ولهذا يجب أن ندرك شخصية الإنسان عندما نريد أن نحكم عليه، فننظر ما عنده، وما هي منطلقاته، فأنا مثلاً أقول هذا الكلام عن سيد قطب رحمه الله، فيأتيني شخص ويقول: إنه ما وقع في خطأ؟ فأقول له: بل وقع في خطأ، فهو يخطئ مثلما يخطئ غيره، لكن لا يدعونا هذا إلى أن يكون الخطأ عندنا هو القاعدة، وأن نحاكم الرجل على كل موقف قاله، فنبدأ نقيم ونراجع، وأنه يقصد كذا ويقصد كذا، وكذا غيره من علماء الإسلام السابقين، الذين ألزموا بلوازم لا يقولون بها أصلاً.
هذه خواطر عاجلة حول هذا الموضوع، وأرجو ألا أكون أنا وقعت في سوء الفهم حين تحدثت عن سوء الفهم، وأيضاً ألا يساء فهم ما قلته وأنا أتحدث عن سوء الفهم.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجنبنا وإياكم الزلل في القول والعمل، ونترك بقية الوقت للإجابة على أسئلة الإخوة.