السبب الخامس: تنزيل الكلام على معين: فأنا أتحدث عن قضية من القضايا فأقول: إن بعض الكتاب، أو بعض الدعاة، أو بعض الخطباء -فأتكلم كلاماً عاماً- يريد كذا، أو يفعل كذا، ويقول كذا، ويقع في هذا الخطأ، والخطأ الفلاني، فمباشرة بعض الناس يبدأ يقول: يقصد فلاناً، أو فلاناً، أو فلاناً، أو فلاناً.
وقد قلت لكم: إني بذلت جهداً حتى أقنع شخصاً أني لا أقصد أناساً بعينهم، فقلت له: ليس عندي أشخاص، فأنا أتحدث عن ظاهرة من الظواهر، فقال: لا، الناس الذين تقصدهم فيهم كذا، ولا يقعون في هذا الخطأ، فقلت له: يا أخي! أنا ليس عندي أشخاص أقصدهم، وقلت له: يا أخي الكريم! مشكلتك معي مشكلة واحدة أنك تنزل الكلام الذي أقوله على أشخاص معينين، فلو أزلت هذه القضية لما صارت بيني وبينك مشكلة، فالنتائج نحن متفقون عليها كلنا، لكن المشكلة هي أنك نزلت هذا الكلام على شخص معين، أو على جهة معينة.
فأنت حين يكون عندك شعور بهذه القضية، فعندما آتي أتكلم تقول: إذاً من يقصد هو الآن؟ احتمال أنه يقصد رقم (أ) ننظر هو وارد أو غير وارد؟ احتمال أنه يقصد (ب)، واحتمال أنه يقصد (ج)، وأخيراً بعد البحث والتحليل والمناقشة وصلنا إلى نتيجة أنه يقصد فلاناً رقم (ج) مثلاً، ومن ثم خذ ما يترتب على ذلك.
فعندما ننزل الكلام على معين لابد أن نسيء الفهم، أما عندما نأخذ الكلام ككلام عام ولا ننزله فإن الأمر يكون سهلاً.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، فكان كثيراً ما يقول:(ما بال أقوام نستعمل أحدهم على عمل، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي)، وكان صلى الله عليه وسلم يقصد شخصاً معيناً ومعروفاً.
ولما قال صلى الله عليه وسلم:(ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله) كان يقصد أقواماً معينين.
لكن هذا شيء، وأن تكون القاعدة عندنا أن ننزل الكلام على معينين، وبناءً عليه نسيء الفهم؛ فهذا شيء آخر لا يصح.