[ألا تريد المشاركة في الإنجاز؟]
الصفحة التاسعة: ألا تريد المشاركة في الإنجاز؟ مع هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة أخي الشاب، والذي يدمي حديثه القلوب، والذي يسيل الدموع فتح بعض صفحاته، فعن ماذا نتحدث، عن التآمر الدولي على المسلمين، وعن تكالب الأعداء وتداعي الأمم، أم عن الفساد والانحلال السائد في مجتمعات المسلمين وواقعهم؟ مع ذلك كله -أخي الكريم- ومع هذه الصفحة الكالحة بدأنا نرى الفجر الصادق تلوح أنواره في الأفق، وبدأنا نرى الصفحة البيضاء تنصع، وبدأنا نرى الصحوة الإسلامية المباركة، ولقد سارت -أخي الكريم- هذه الصحوة وحققت إنجازات رائعة، لعل هذه المظاهر التي تراها، وهذا الشباب الغض المقبل على طاعة الله سبحانه وتعالى إنما هو جزء من النجاح الذي حققته هذه الصحوة المباركة، وهذه المظاهر للنشاط الإسلامي التي تملأ العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وهذا الشعور الذي أصبح يوجد عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، جاهلهم ومتعلمهم، إنما هو جزء وثمرة من ثمرات هذه الصحوة المباركة.
أخي الكريم! لقد دخل إخوانك أحفاد عقبة، وتلاميذ ابن باديس الحياة السياسية والبرلمانية؛ فأسمعوا العالم كله أن الشعب المسلم يسير وراءهم، ويريد تطبيق الإسلام، ويريد الحكم للإسلام، فلم تعد القضية مطالب فئة من الدعاة، ولا مطالب جماعة من الجماعات، إنما عبر المسلمون جميعاً الفاسق منهم والمعرض قبل التقي والصالح أنهم لا يريدون إلا الإسلام.
أرأيت الصفحة البيضاء والإنجاز الرائع الذي حققه إخوانك هناك في أفغانستان عندما مرغوا أنوف الروس الذين كانوا في ذاك الوقت أعتى قوة دولية، والذين كان يحسب الغرب لهم ألف حساب؟ أرأيت إخوانك هناك بالبنادق، والسلاح اليدوي، وبالجهود المتواضعة، ومع الجوع والفقر والبرد، لكنهم استطاعوا أن يرغموا أنوف الروس، وأن يخرجوهم صاغرين من أفغانستان، ثم توجوا هذا النصر بإسقاط الحكم الشيوعي، وإقامة حكم الله، وإقامة دولة الإسلام، أرأيت هذا النصر وهذا الإنجاز؟ لن أسترسل معك -أخي الكريم- في الحديث عن إنجازات الصحوة ونتائجها، ولكنها إنجازات أجزم أنك تشاركني أنها رائعة، ولا تظن أنها هي الوحيدة، بل هي البداية، وهي الطليعة.
إننا نعتبر النصر الذي تحقق في أفغانستان طليعة الانتصارات الرائعة التي لابد أن تتحقق لهذه الأمة، ولن يدع الله بيت مدرٍ ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر.
بعد ذلك أقول لك: ألا تتمنى -أخي الكريم- أن تشارك في هذه الإنجازات؟ ألا تتمنى أن تخط اسمك بين الذين يسطرون هذه الصفحات؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك؟ مرة أخرى أقول: إن الذين حققوا هذه الإنجازات هم بشر مثلك، يعيشون في الوقت الذي تعيش فيه، ويتعرضون للشهوات التي تتعرض لها، ويتعرضون للعوائق التي تتعرض لها، ومع ذلك استطاعوا أن يخطوا هذه الصفحات، ويحققوا هذه الإنجازات.
ألم تحدثك نفسك يوماً من الأيام أن تشارك في تحقيق هذه الإنجازات، وأن تضرب بسهم مع أولئك المتسابقين في رفع راية لا إله إلا الله؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك؟ مرة أخرى أقول: ليست هذه الإنجازات الوحيدة، بل هي الطليعة، وهي البوابة، وهي البداية للمد الكاسح الذي لابد أن يحقق أهدافه بمشيئة الله وتوفيقه، (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار)، فهو وعد صادق من النبي صلى الله عليه وسلم.
أخي الكريم! أيهما أحب لك: أن تحقق إنجازاً كروياً، وإنجازاً رياضياً، فتسطر اسمك بين ألمع أصحاب الكرة، أو تحقق إنجازاً فنياً، فتصير فناناً صاعداً، يسمع لك الجميع، أو ممثلاً، أو غير ذلك من الأماني الساقطة التي يسعى إليها الكثير، أو أن تكون مشاركاً في تحقيق هذا النصر، فتقر عينك بما حققته في الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى؟ أخي الكريم! مرة أخرى أقول: مهما بلغ بك الإعراض، ومهما بلغت من الغفلة والانغماس في أوحال الفتن والشهوات، فلا تتصور أبداً أن هذا الأمر مستحيل، إنك قادر على أن تتوب إلى الله، وتحقق أكثر مما حقق إخوانك، فقد فتحوا لك الطريق، وأضاءوا أمامك السبيل.
أرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كانوا حفاة رعاة، وكانوا يأكلون الخنافس، ويأتون الفواحش، وكان أحدهم يقتل ابنته خشية أن يلحقه العار، ويقتل وليده خشية أن يطعم معه، وبعد ذلك منّ الله عليهم بهذا الدين، فماذا صنعوا؟ لقد بنوا لهذه الأمة مجداً لا يخفى عليكم، فخرجوا من تلك الجزيرة فقراء معدمين؛ حتى استطاعوا أن يدكوا عروش أقوى قوتين في العالم، فدكوا عروش كسرى وقيصر.
أولئك الصحابة: عمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وأبو سفيان ومعاوية بن أبي سفيان وخالد بن الوليد، وغيرهم، ألم يكونوا يوماً من الأيام معرضين؟ بل ألم يكونوا عبدة للأوثان؟ بل قد كانوا فوق ذلك كله في يوم من الأيام يحملون السلاح ويخاطرون بأنفسهم؟ ليئدوا هذا الدين وهذه