الأمر الثاني: يؤيد هذا المعنى عيب القرآن ونعيه على أولئك الذين يقلدون غيرهم، فقد عاب الله سبحانه وتعالى على أولئك الذين يقلدون الآباء والأجداد، يقول عز وجل في سورة الزخرف:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف:٢٢ - ٢٣].
إن لكل أمة تراثاً ورثوه من آبائهم وأجدادهم، ويعتزون به، وينافحون عنه، أما وقد وصلت القضية إلى مبدأ الاعتقاد والدين فينبغي أن يطّرح ما عليه الآباء والأجداد، وأن يكون الدليل والبرهان والحجة هو السائد في التلقي، هو السائد في التعبد لله عز وجل، وهو السائد في منطق الحجة والبرهان، وعليه فإن من ينعى عليك أنك قد خالفت أمراً ألفه الآباء والأجداد، أو أنك أتيته بأمر لم يعهده فإن هذا قد سلك منطق أولئك الذين قالوا:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف:٢٣] ولو كان يملك دليلاً وبرهاناً وحجة على ما يقول لصاغه، ولهذا صار يُضرب في وجه كل من يدعو إلى إحياء سنة قد أُميتت، أو إلى إنكار منكر ألفه الناس بأن هذا أمر لم نعهده، وهذا أمر جديد، ولو أحسنوا لقالوا:{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ}[المؤمنون:٢٤].