للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تربية أهل البيت على العبادة]

رابعاً: العبادة في البيت مدعاة لأن يتربى أهل البيت على عبادة الله عز وجل وطاعته سبحانه وتعالى، وللأسف كم تفتقر بيوت المسلمين لهذا الأمر، إنك لو أتيت إلى بيوت الصلحاء الخالية من المعاصي والفجور دعك من بيوت من جوارهم وهم عامة وأغلب المسلمين، إنك لو أتيت على بيوت هؤلاء لوجدت أن الأبناء والبنات الذين يعيشون في هذا البيت لا يرون فيه أثر الطاعة والعبادة، فوالدهم الصالح العابد إنما يصلي ما كتب الله له في المسجد وينصرف وهم لا يرون منه في بيته إلا الوجه الآخر، فلا يرون منه إلا الحديث معهم في أمور الدنيا والذهاب والإياب، ويبقون في بيتهم كأنهم في صالة طعام، أو مكان يأوون إليه ويبيتون فيه، وليس هذا شأن البيوت، وليس هذا شأن الأسرة فهي المحضن الذي يتربى فيه أهل البيت على الطاعة والتقوى والصلاح باع أحد السلف جارية وكان بيته معموراً بقيام الليل وعبادة الله سبحانه وتعالى، فلما جاء ثلث الليل قامت توقظ سيدها الذي اشتراها فقال: لم يحن الفجر بعد! فقالت: أوما تستيقظون إلا عند الفجر، إنكم قوم سوء! فلما أصبحت خرجت تبكي إلى سيدها الذي باعها تسأله بالله أن يعيدها إليه، فقد باعها إلى قوم سوء لا يستيقظون إلا مع الفجر.

فماذا عسى هذه الجارية أن تقول لو رأت الكثير من بيوت المسلمين والذين لا يستيقظون حتى مع الفجر، ماذا عسى أن تقول؟ وانظر إلى أثر هذا البيت الذي عُمر بالتقوى والصلاح وعبادة الله، كيف كان أثره على هذه الأمة التي كانت تخدم فيه؟ حتى كرهت أن تفارق هذا البيت، فكيف بأثره على الأبناء والبنات والذرية؟ وهو أثر يتركه الأب على أسرته وبيته.

وحين يسلكه الشاب أو الفتاة يترك أيضاً أثراً على سائر أهل منزله وبيته، إن أهل المنزل يرون هذا الشاب قد سلك في قطار الصالحين، وسار في طريق الأخيار العابدين، لكنهم لا يرونه إلا أوقاتاً محدودة يرونه لماماً يتناول معهم الطعام، أو يرتاح في المنزل، أو منزوياً هنا وهناك، وقلما يرونه تالياً لكتاب الله سبحانه وتعالى، قلما يرونه مصلياً ذاكراً لله عز وجل، ولهذا نرى أن البعض من الشباب يقل أثره على أهل بيته، والسبب هو إهماله لهذا الأمر، ولو كان شأنه العبادة وديدنه الطاعة فعمر أحواله وبيته بعبادة الله سبحانه وتعالى تلاوة وصلاة وذكراً لله عز وجل لترك أثره على أهل بيته، وكم رأينا من بيوت صلحت واستقام أهلها كبيرهم وصغيرهم بصلاح واحد من الأبناء ربما كان لم يتجاوز الحلم إلا بقليل.