للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج من أمهات العلماء]

وفي ميدان العلم والفقه نرى أيضاً أن الأمهات كان لهن دور بارز في إعداد الرجال، سفيان الثوري الإمام الفقيه المحدث الذي قال فيه الأوزاعي: لم يبق من تجتمع عليه الأمة بالرضا إلا سفيان.

سفيان رحمه الله كان ثمرة أم صالحة، روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: قالت أم سفيان لـ سفيان: يا بني! اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي.

أي: تكفيه نفقته وشئون حياته حتى يتفرغ للعلم.

وقالت له توصيه: يا بني! إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك.

والإمام الفقيه الثبت إمام أهل الشام وفقيههم أبو عمرو الأوزاعي الذي قال فيه بقية: إنا لنمتحن الناس بـ الأوزاعي، فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة.

كان يتيماً فقيراً في حجر أمه، فنقلته من بلد إلى بلد، حتى تعلم وبلغ مرتبة الإمامة والفقه.

والإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن قصته مع أبيه مشهورة رواها ابن خلكان، وذلك أن أباه فروخ فارق أمه وهي حامل به، وترك عندها ثلاثين ألف ديناراً، وأوصاها بحملها خيراً، ففارقها إلى ميدان الجهاد، وغاب هناك سنوات طويلة، فعاد بعد أكثر من ثلاثين سنة، عاد ليطرق بيته فخرج إليه ابنه ربيعة، فقال له: كيف تهجم على بيتي وأهلي؟! فقال له: كيف أنت تدخل بيتي؟ فعلت أصواتهما، وارتفعت خصومتهما، حتى جاء الإمام مالك واللجج والخصومة بينهما، فقال: أنا صاحب هذا البيت أنا فروخ، فسمعت أم ربيعة صوته وسمعت كلامه فعرفت أنه زوجها، فنادته وقالت: هذا ولدك فتعانقا.

ثم سألها عن المال الذي أودعها إياه، فقالت: إني دفنته واختبأته، ونام ثم لما استيقظ قالت له: اذهب واشهد صلاة الفجر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب ورأى رجلاً قد اجتمع حوله أفواج من الناس يستمعون إليه فسأل وهو مطرق رأسه خجلاً منه، فإذا هو ابنه ربيعة، فعاد إلى زوجه فوصف لها ما وصف، فقالت: أيسرك هذا أم الدنانير؟ قال: والله! هذا أحب إلي، فأخبرته أنها أنفقتها في تعليمه.

لقد كان وراء الإمام ربيعة رحمه الله تلك الأم التي ربته وتعاهدته حتى بلغ ما بلغ.

والإمام مالك أيضاً الذي درس على ربيعة قال لأمه: أذهب فأكتب العلم.

فقالت: تعال فالبس ثياب العلم، قال: فألبستني وعممتني، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن، وكانت تقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه.

والإمام الشافعي الإمام الفقيه المجدد، مات أبوه وهو جنين أو رضيع، فتولته أمه بعنايتها، وتنقلت به من غزة مهبطه إلى مكة مستقر أخواله، وكانت من العابدات القانتات، ومن أزكى الخلق فطرة.

وحصلت لها قصة مشهورة عند أحد قضاة مكة، ذلك أنها شهدت هي وأم بشر فأجاز شهادتهما فذكرته بقول الله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:٢٨٢].

والمهدي الخليفة العباسي الذي كان يلقب بقصاب الزنادقة وعدو الزنادقة أجمع المؤرخون أنه نتاج تربية أمه الخيزران التي أخذت الفقه عن الإمام الأوزاعي.

ولله در القائل: وليس النبت ينبت في جنان كمثل النبت ينبت في الفلاة وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات