للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البحث عن أسباب المشكلة والعمل على علاجها]

أخيراً: إننا حين نرى مثل هذه القطيعة وهذه الهوة فأنا أجزم أنكم تشاركونني أنها مرفوضة، وأنها غير مقبولة، وأن الرابح غيرنا، والخاسر ليس سوانا، أظنكم تشاركونني هذه النتيجة.

أيضاً يجب أن نكون واقعيين، وأن نبحث عن أسبابها، فهناك أسباب وأمور أدت إلى ذلك، ولعل من أهمها تطبيق مبدأ الولاء والبراء، والبغض في الله والحب في الله.

إن الشاب الملتزم يرى أن دينه وأن استقامته وصلاحه تفرض عليه أن يحب في الله ويبغض في الله، وما دام فلان غير مستقيم، وما دام فلان يجاهر بالمعصية، فإن علي أن أبغضه وأن أظهر له البغضاء، وهذا من دين الله عز وجل، ولا نطالب بإلغائه ولا زواله، ولكن حسن العشرة شيء آخر غير ذلك بكثير.

إنه لا يمنعني -وحين يعهد مني صاحبي الصراحة- أن آخذه بحديث ودي، فأقول له: إنك مسلم، وإني أجزم أنك تحب الله ورسوله، وإنني أحب فيك الطاعة، وأحب أن أراك في المسجد، وأن أراك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكني واضح صريح معك، فلست أدعي أني أحبك كما أحب أخي، ولست أدعي أني أحبك من سويداء قلبي.

إنني مع ذلك أرى عليك أثر المعصية، وأثر الانحراف، وأرى أن هذا يفرض علي أن أبغض فيك هذه المعصية، فإني أتمنى أن تكمل المحبة، وأن يتم اللقاء، ولن تكمل هذه المحبة، ولن يتم هذا اللقاء إلا حين تزيل سبب القطيعة والبغضاء، وهو هذه المعصية.

أيضاً جانب آخر وأمر آخر قد يكون عائقاً للشاب الملتزم عن صاحبه، هو أنه يرى أنه حين يحسن العشرة معه، فإن هذا مدعاة إلى أن يصحبه فيتأثر به، فيدعوه ذاك من حيث لا يشعر إلى الارتكاس والانتكاس عافانا الله وإياكم.

إنه يرى أن هذه الاستقامة، وأن هذا الالتزام، وأن هذا الخير الذي حصله مكسب لا يقاس بثمن، وثمرة لا تعادلها ثمرة، فهو يريد أن يحيطها بهذا السياج، ويحيطها بهذا السور المنيع حتى لا تخترق، فيرى أنه إن صاحب ذاك بالحسنى وعاشره، فإنه مدعاة إلى أن يكون وسيلة للصحبة السيئة التي تقوده من حيث لا يشعر إلى الانتكاس، وإلى الحور بعد الكور.

فهو يضع هذا السياج، ويبني هذا السور، لا رغبة عن الخير، ولكن حماية لنفسه من التأثر، ومن الوقوع في الزلل والخطأ والانحراف والحور بعد الكور.

ونحن نقره أن الثمرة التي حصلها غالية، ونقره أن الاستقامة لا يعدلها الشيء، وأن السلامة لا يعدلها شيء، وأنه ينبغي أن يحرص عليها.

ولكن ما ندعوك إليه ليس أن تقضي لياليك ونهارك مع صاحبك، ليس أن تضاحكه وتمازحه وتعاشره، إنما ندعوك إلى ابتسامة صادقة، وإلى كلمة تقولها، وإلى دعوة، وإلى نقاش، ثم بعد ذلك يجب أن تحرص، وأن تحتاط، وأن تعرف أن طول العشرة والألفة واللقاء قد يكون مدعاة لأن تتأثر أنت، فتتحول من مرسل إلى مستقبل، وتتحول من داعٍ إلى مدعو، فيجرك معه إلى المستنقع حين أردت أنت إنقاذه.

وحينئذٍ فمع دعوتنا إلى كسر الحواجز، ومع دعوتنا إلى اللقاء والنقاش والحوار، فإننا ندعو أيضاً أن يكون هناك ضوابط تكفل ألا تتحول بعد ذلك إلى خسائر أخرى، وإلى أن يكون أولئك أصحاب الشهوات هم الذين يدعون الآخرين، ويجرونهم إلى طريقهم.

ونحن قادرون حين يكون الأمر مقتصراً على كلمة صادقة، وعلى هدية، وعلى ابتسامة، وعلى حسن عشرة، ثم بعد ذلك نقطع الطريق، ونقول لهم أيضاً بصراحة ووضوح: إننا نرى أن طول عشرتنا معكم، وإلفنا معكم، ولقاءنا معكم قد يكون مدعاة لأن نقع نحن معكم، فنعتذر لكم عن طول اللقاء، ونعتذر لكم عن طول المعاشرة؛ لأننا نخشى على أنفسنا، وحين تعودون وتسيرون في الجادة، فنحن سنصبح وإياكم إخوة.

معشر الإخوة الكرام! إن ما أطرحه في هذا اللقاء لا يزيد على أن يكون محاولة من قلب يتفطر ألماً وحرقة على هذا الواقع المرير الذي نعانيه.

الشاب يراهم هنا في هذه المخيمات، بل يراهم أمامه في الفصل وقد أنصتوا إليه، ويراهم أمامه في الحي فيتفطر قلبه ويبدأ يفكر، وقد يقوده هذا التفكير إلى مثل هذه الرؤى والنتائج، وهذه الرؤى والنتائج ليست بالضرورة معصومة، وليست بالضرورة نتائج مسلمة، بل ينبغي أن تحاط أفكارنا وإبداعاتنا دائماً بسياج الشرع الحكيم، وينبغي أن نكثر المراجعة، وأن نكثر المناقشة لها مرة بعد أخرى، وأن نقيس مدى انطباق ما نقوله على شرع الله عز وجل؛ لأن هذه الدعوة ينبغي أن تحاط بسياج الشريعة.

ومهما كانت أهدافنا نبيلة، ومهما كانت مقاصدنا عالية وسامية، فإن ذلك ليس مبرراً لنا أن تنطلق أفكارنا واقتراحاتنا دون ضوابط من شرع الله عز وجل، ودون قواعد.

أيها الإخوة الكرام! إنها محاولات وأفكار لا أدعي فيها العصمة، بل لا أدعي فيها أن تكون صواباً، فهي لا تعدو أن تكون اجتهاداً، فإن أصبت فمن الله عز وجل، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى، وهو صاحب الفضل والمن أولاً وأخيراً، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأنا أدعوكم جميعاً إلى أن نفكر جميعاً فيما نسمع، وألا نتلقى فقط دون مناقشة ودون مساءلة.

إنني أجزم أنكم جميعاً تشاركونني الألم والهم، وأجزم أنكم جميعاً ترون أن هناك أخطاء من الجميع، ولكن كيف يصحح الخطأ؟ قد نختلف في ا