للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[دقة المواعيد]

ثمة وقفات علنا أن نأتي بما يسمح به الوقت منها.

الوقفة الأولى: إنك حين تتأمل في المناسك ترى فيها دقة عجيبة، فأنت ترى المسلم يقف عند هذا المكان من حدود عرفة فلو وقف هنا كان داخل عرفة، ولو تأخر متراً واحداً كان خارج عرفة فلو وقف هنا نائماً وقف صامتاً لصح حجه، ولو وقف هنا وصار يدعو ويتضرع لم يصح حجه، ما الفرق بين هذا المكان وذاك؟ تراه يرمي الجمرة الأولى قبل الثانية وبعدها العقبة ولو رمى تلك قبل هذه لم يصح، تراه يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة ولو عكس لم يصح له الأمر، هذا اليوم يقف في عرفة وفي الليل يبيت بمزدلفة وفي أيام التشريق يكون في منى، إنك ترى فيها انضباطاً عجيباً لا ترى له حكمة ظاهرة في نفسك.

لو رمى قبل الزوال بدقائق لكان رميه غير صحيح وكانت عبادته غير صحيحة، ولو رمى بعد الزوال لكان موافقاً للسنة، وهكذا في دفعه من عرفة، وفي سائر المناسك تراها منضبطة بمكان أو وقت أو زمن أو هيئة معينة لا تكاد ترى لها تعليلاً وتفسيراً، فما الفرق بين من يتقدم دقيقة أو أخرى؟ لا تكاد تجد لها إلا الاستسلام والخضوع لله عز وجل، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦]، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

إن معنى الإسلام أيها الأخوة هو الاستسلام لله عز وجل، والتسليم له، والانقياد لأوامره، والانتهاء عن نواهيه، سواء أدرك المسلم حكمة ذلك أو لم يدركها، وهو يقطع أنه ما شرع الله من أمر إلا له حكمة، لكن هذا شيء وكونه يجعل استجابته لهذا الأمر موقوفة على إدراك الحكمة شيء آخر.