للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التخلي عن العوائد]

أيضاً الحج فيه التخلي عن العوائد وهذا الأمر أمر مهم في سياسة النفس وإصلاح النفس، أن يتخلى الإنسان عن الأمور التي اعتادها وألفها، إن الناس يألفون أوضاعاً ويألفون سلوكاً معيناً فيسيطر عليهم.

خذوا على سبيل المثال من يألف الكسل حتى يصبح سمة له، هذا الكسل يقعد به عن كثير من مصالحه ويفوت عليه فرصاً كثيرة، ويشعر هؤلاء الذين يفوتون فرصاً كثيرة عليهم في أمور دينهم وأمور دنياهم، أنهم ربما كانوا قادرين على أن يحققوا أهدافاً عديدة، لكن هذه الأهداف تلاشت دون مشكلة الكسل، فالإنسان الذي اعتاد الكسل، واعتاد الاستسلام له، واعتاد التسويف الإنسان الذي اعتاد عادة معينة أياً كانت هذه العادة هذه العادة تؤثر عليه فتعطل حياته، تؤثر عليه في عبادته، وفي حياته المالية والمادية وتعامله وتواصله مع الناس، ومن هنا يأتي الحج يربي في الإنسان التخلص من كل ما يعتاده، فمثلاً: يتخلص من لباسه، هذا اللباس الذي له شكل معين ووضع معين نتخلص منه، فلا نغطي رءوسنا، ونلبس لباساً معيناً له طبيعته الخاصة وله خصائصه التي لم نألف أن نلبسها، ومع تنوع الناس والبشر واختلاف عاداتهم في اللبس لا يمكن أن تجد مجتمعنا اليوم يلبس لبساً يتحقق فيه شروط لباس الإحرام، حتى المرأة، ولما كانت المرأة مبناها على الستر لم يشرع أن تلبس ما يلبسه الرجل، والمرأة في طبيعتها تميل إلى الزينة، فشرع لها في الإحرام أن تجتنب الزينة وأن تلبس لباساً يبعدها عن الزينة.

منعت من النقاب -على سبيل المثال- رغم أنه مشروع في غير الحج، منعت من أن تلبس القفازين مع أنها مشروعة في غير الحج، كل هذا لكي يتخلص الإنسان من هذا الأمر الذي اعتاده، يخلع ملابسه تسليماً لله عز وجل، ومع الجهل الكبير الذي نراه عند الحاج والصور الغريبة والعجيبة مما يعمله الحجاج إلا أنك لا يمكن أن تجد حاجاً لا يلبس لباس الإحرام، فقد تجد -مثلاً- حاجاً يخطئ في ميقات الإحرام، أو يخطئ في بعض السنة المتعلقة بالإحرام، في وقت خلع الإحرام وتغييره قد تجد هذه الحالات، لكنك لا يمكن أن تجد حاجاً أو معتمراً لا يلبس لبس الإحرام.

أيضاً يتخلى الإنسان عن المحظورات، وعن الترفه، ويمتنع عن أخذ شيء من شعره وأظافره، ويمتنع عن الطيب، والزينة، تغيير في سلوك الإنسان يقوده في النهاية إلى التخلي عن العوائد، وهذا أمر مهم جداً يحتاجه الإنسان في أمور دينه؛ لأن الإنسان قد يعتاد أموراً تؤثر عليه في دينه وتعوقه، ويحتاج إليه الإنسان في حياته، ولاحظوا -كما قلنا- الناس الذين يفشلون في حياتهم، الذين يفشلون في تحصيلهم الدراسي، يفشلون في فرص العمل، يفشلون جزء كبير من هذا الفشل مصدره عدم قدرة هؤلاء على إدارة أنفسهم، وجزء من هذا الفشل مصدره أن هؤلاء ألفوا أوضاعاً لم يستطيعوا أن يكسروها ويتجاوزوها، فالحج يربي الإنسان على تجاوز هذه الأوضاع وعلى التخلي عنها.