للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عوامل إغراء سيدنا يوسف عليه السلام بامرأة العزيز]

أما عوامل الإغراء: فنحن عندما نتأمل هذه القصة وحتى نعرف الثبات الذي ثبته يوسف عليه السلام، وحتى نعرف كيف كان هذا ابتلاءً لنبي الله لا بد أن نتصور ونعيش جو القصة ونتصور عوامل الإغراء والإثارة التي كانت موجودة لدى يوسف عليه السلام، وهي عوامل يستطيع كل واحد منا أن يتصورها عندما يقرأ القصة ويتخيلها في ذهنه، وقد أشار الحافظ ابن القيم رحمه الله إلى عدة أمور أوصلها إلى ثلاثة عشر كلها كانت وسائل تغري وتثير وتهيج الفتنة لدى يوسف عليه السلام في مثل هذا الموقف.

أولها: العامل الطبعي، يعني: أن الرجل يميل إلى المرأة أصلاً، وكل الرجال -إلا من شذ- عنده هذه الشهوة.

العامل الثاني: كونه شاباً، ولا شك أن الشهوة عند الشاب تكون أكثر توقداً منه عند غيره، ومع زيادة الشهوة عنده فقدرته على ضبط نفسه وعلى الانتصار على نفسه أقل من قدرة غيره، ومن هنا تكون الصعوبة أكثر.

وتعرفون أنتم أن يوسف عليه السلام رمي وهو صغير، ثم بعد ذلك أخذ رقيقاً وهو لا يزال غلاماً حتى قال الله عز وجل: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} [يوسف:٢٢ - ٢٣] المهم أنه لا يهمنا الآن كم كان سن يوسف لكنه كان ولا شك قريباً من العشرين يزيد عنها قليلاً أو ينقص عنها قليلاً، المهم أنه في زهرة الشباب التي تشتد فيها هذه الشهوة.

العامل الثالث: أنه كان أعزب لم يتزوج بعد، ولا شك أن هذا أيضاً أمر له أهميته، فالمتزوج قد يسر الله له طريق الحلال والطريق الشرعي، فلو أثاره ما أثاره فأمامه المصرف الشرعي، أما هذا الشاب الذي لم يتزوج بعد ولم يحصن نفسه فإنه أكثر عرضة للوقوع في المعصية من غيره.

ومن هنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب فقال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

العامل الرابع: كونه في بلد غربة، فالإنسان عندما يكون غريباً بعيداً عن أهله فإن هذا يدعوه أن يمارس ما يمارس خاصة عندما يتركهم وهو في سن الطفولة، فليس هناك وازع يمنعه.

فوجود الغربة لا شك أنها تدعوه إلى أن ينطلق وينفلت من هذه القيود التي قد تقيده وتحجمه، وكما نشاهد الآن أن المرء إذا اغترب عن بلده أصبح أكثر عرضة للانفلات والضياع منه عندما يكون عند بني قومه وأهله وعشيرته.

العامل الخامس: أن المرأة ذات منصب وجمال، أما كونه ذات منصب فهذا واضح، وأما كونها ذات جمال فقال رحمه الله: إن العادة في مثل العزيز أن لا يتزوج إلا امرأة ذات جمال.

العامل السادس: كونها غير ممتنعة ولا أبية، فإن مما يصد المرء أحياناً عن مواقعة المعصية أن تتمنع المرأة وتأبى، وهي هنا غير ممتنعة.

العامل السابع: أنها طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد فكفته مؤنة الطلب وبذل الرغبة، فهي الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب فيه، فإن الشاب مثلاً قد تدعوه الشهوة إلى أن يواقع المعصية لكن أمامه عقبة، وعندما يتجرأ فيصرح برغبته ويطلب ذلك فإنه يقابل عقبة قد تكون كبيرة، وقد تكون حائلاً دون مواقعة المعصية، أما الآن فقد زالت هذه العقبة، بل المرأة قد أبدت رغبتها وصرحت وراودته ودعته وتجاوز الأمر إلى قضية التهديد والوعيد له فاجتمع له الترغيب والترهيب كما سيأتي.

فحينئذ حتى ولو كان الشاب ليس لديه رغبة ابتداءً فإن مثل هذا الموقف يثير الرغبة لديه.

العامل الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى أذاها إن لم يطاوعها فاجتمع له الرغبة والرهبة.

العامل التاسع: أنه لا يخشى أن تنم عليه لأنها الراغبة، فالمرء قد يترك المعصية لا خوفاً من الله عز وجل إنما يخشى من الفضيحة ويخشى من نتائج المعصية في الدنيا، أما الآن فهو لا يخشى فالمرأة هي الراغبة وهي الداعية، فحينئذ يكون في أمان من أن يفتضح ويشتهر أمره.

العامل العاشر: قربه منها وكونه مملوكاً لها مما يورث طول الأنس.

فهو مملوك يقابلها كل يوم ويلقاها ويخدمها ويدخل عليها في أحوال لا يدخل عليها فيها غيره، بل لا شك أن هذا يدعوه إلى أن يرى منها ما لا يرى منها غيره وهذا يكون أدعى إلى أن تثور لديه الرغبة، بخلاف من يلتقي بفتاة لأول مرة أو يرى صورة عارية لأول مرة.

العامل الحادي عشر: استعانتها بأئمة المكر والاحتيال وهن النساء، فإن النساء عندما كدنها: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف:٣٠ - ٣١] فهي هنا استعانت عليه بالنساء وهن أئمة المكر والاحتيال، بل منهم من قال: إن كيد المرأة قد فاق