الدعاء نوعان: دعاء ثناء، ودعاء مسألة، فحينما يقول المسلم: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهذا دعاء لكنه دعاء ثناء على الله سبحانه وتعالى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم دعاء، لكنه دعاء ثناء وليس دعاء مسألة، فدعاء الثناء ثناء على الله سبحانه وتعالى، ودعاء المسألة نعرفه جميعاً وهو الذي ينصرف إليه الذهن حينما نقول: الدعاء.
الدعاء بأسماء الله وصفاته ينبغي أن يتناسب مع ما يدعو به المسلم، فكما قال ابن العربي: يطلب بكل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رزاق ارزقني، يا هاد اهدني.
وقال ابن القيم: يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضياً لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلاً بذلك الاسم، ومن تأمل أدعية الرسل وجدها مطابقة لهذا.
هناك عدة معان حول قضية دعاء الله بأسمائه وصفاته تترك آثاراً على النفس، منها أن يتقدم المسلم بين يدي الدعاء بالثناء على الله عز وجل، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا أحد أحب إليه الثناء من الله عز وجل، ولا أحد أغير من الله سبحانه وتعالى)، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله عز وجل في كل خطبة، ويثني عليه في كل مناسبة حينما يبدأ حديثه، فهو حينما يدعو الله بأسمائه وصفاته يثني على الله عز وجل ويتوسل بين يدي الدعاء بعمل صالح يقربه لله عز وجل، هذا جانب.
جانب ثان له أهميته وقد نغفل عنه، وهو الأثر النفسي على الإنسان عندما يدعو بهذا الاسم، وذلك أنه يدعوه إلى اليقين بالإجابة، واليقين بالإجابة سبب من أسباب إجابة الدعاء، تأمل معي مثلاً حديث دعاء الاستخارة:(اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان هذا الأمر خيراً لي).
حينما يتأمل الإنسان هذا المعنى سينخلع من كل حول وقوة، ويشعر أنه سلم نفسه بين يدي الله عز وجل، وحينها سيشعر أنه محتاج إلى الله ليختار، محتاج إلى الله عز وجل أن يوفقه؛ لأن الله يقدر وهو لا يقدر ويعلم وهو لا يعلم، وهو صاحب الفضل العظيم سبحانه وتعالى، وعندما يعيش هذا المعنى يكون على يقين ويكون عنده شعور بالحاجة ويقين بالإجابة، وحينها يصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء غافل لاه).
إذاً: فالدعاء بالأسماء والصفات مع ما فيه من الثناء على الله عز وجل والتوسل بين يدي هذا الدعاء؛ فيه معنى آخر مهم، وهو أنه يترك عند الداعي شعوراً يجعله يعظم الله سبحانه وتعالى، ويسلم لله عز وجل، ويجعله يوقن بإجابة الدعاء؛ لأنه حين يقول مثلاً: رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، ويتأمل هذه المعاني تترك أثراً وتعطيه أملاً ورجاء يجعله يوقن بالإجابة، فيساهم هذا بأن يتحقق لديه أدب من آداب الدعاء، وهو اليقين بالإجابة، علاوة على الأثر والشعور بالعبودية والخضوع لله والافتقار بين يديه سبحانه وتعالى، وذلك حين يعيش آثار هذه الأسماء والصفات ومعانيها؛ ولهذا كان الدعاء عبادة كما قال صلى الله عليه وسلم:(الدعاء هو العبادة)، لأن فيه الفقر والذل والخضوع بين يدي الله سبحانه وتعالى.