للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحاجة إلى العاطفة الحماسية في الجهاد]

خامساً: ونرى أثر العاطفة في إذكاء الحماسة، بل نرى ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، نرى أن المسلمين يحتاجون إلى من يشعل حماسهم، لقد وقف المسلمون في غزوة مؤتة حين بلغهم جمع الروم، وقفوا يتشاورون ماذا يصنعون، أيطلبون مدداً من النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم ماذا يصنعون؟ فقام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وقال: أيها الناس! إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبونها الشهادة، والله إنا لا نقاتل الناس بعدد ولا عدة، إنما نقاتل الناس بهذا الدين، قالوا: فحمس عبد الله الناس، فمضوا إلى أمرهم.

أرأيت كيف يصنع الحماس؟ أرأيت كيف توقظ هذه الحماسة أصحابها، فتدفعهم إلى الجهاد، تدفعهم إلى أن يلغوا ذاك الخيار الذي اجتمعوا من أجله، وحين سار رضي الله عنه وودعهم أهل المدينة، قالوا: حفظكم الله وردكم إلينا، قال: لا ردني الله إليكم.

وسار ومعه غلام في حجره وهو زيد بن أرقم رضي الله عنه، سار وصار يتغنى ويخاطب راحلته: إذا أدنيتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك أنعم وخلاك ذم ولا أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المسلمون وخلفوني بأرض الشام مشتهر الثواء وردك كل ذي نسب قريب إلى الرحمن منقطع الإخاء هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء فبكى زيد رضي الله عنه، فوخزه وقال: لا عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة، وترجع بين شعبتي الرحل؛ لأنه قد يكون أبقى له مكاناً.

وكأنك ترى في حال هذا الصحابي الجليل وقد عقد العزيمة على ألا يعود، ويسأل الله عز وجل أن يخلفه المسلمون بأرض الشام، وحين قتل صاحباه، وتقدم تردد وتلكع، فقال أبياتاً يستحث فيها نفسه: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلنه أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة فيخاطب نفسه بهذه الأبيات، ثم يدفعها دفعاً إلى ميدان الشهادة، فيمضي رضي الله عنه مع صاحبيه.

وهكذا حين تقرأ في السير، قبل المعركة يجمع القائد جنده وجيشه، فيخاطبهم، ويحمسهم، ويحثهم على الاستشهاد في سبيل الله، ويبين لهم فضل الشهادة، وفضل الجهاد في سبيل الله؛ حتى يوقد حماستهم وعزيمتهم إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل.

وما ترى معركة أو غزوة قادها المسلمون إلا وترى الشعراء والخطباء قد أوقدوا حماسة الناس لهذا الجهاد، أيسوغ بعد ذلك أن ندعو إلى إلغاء الحماس والعاطفة؟!