للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحميل الآخرين مسئولية الخطأ]

معشر الإخوة الكرام! إننا نمارس الكذب كثيراً على أنفسنا نمارس الكذب أفراداً، ونمارس الكذب جماعات، أما على المستوى الفردي فإن المرء حين يقع في الخطأ -كما قلنا- تلومه نفسه، وتؤنبه، فهو يحاول أن يتخلص من هذا اللوم، ويحاول أن يتخلص من هذا التأنيب فيفتعل حيلاً نفسية لا شعورية يحاول أن يدفع بها عن نفسه تبعة الخطأ ومرارة تحمل المسئولية، فيمارس الكذب على نفسه، ويحق على هذا السلوك كل شناعة تحق على الكذب.

فلئن كان الكذب فجوراً وشناعةً حين يمارسه المرء على الآخرين، فهو كذلك حين يمارسه على نفسه، بل هو يزيد على ذلك استغفالاً لنفسه وسلوك مسلك النعامة التي تخفي رأسها وتظن أن العدو لا يراها كما يقال في المثل.

إن الفرد يمارس أحياناً أسلوب الإسقاط وتحميل المسئولية على الآخرين، فالطالب الذي يفشل في الامتحان مثلاً لم يكن ذنبه أنه كان مهملاً، بل هو كان جاداً وقد بذل كل الجهد لكن الأستاذ كان فاشلاً، فالأستاذ كان لا يجيد شرح المادة، أو أن أعمال السنة كانت هي السبب ولو كانت نسبتها ضئيلة؟ نعم هي السبب في رسوبه.

وربما لم يكن هذا وذاك ولكن أسئلة الامتحان كان مفاجئة وكانت غامضة، أو كان التصحيح غير دقيق، أو كانت نفسيته يوم الامتحان غير مستقرة فلم يوفق للإجابة، وهكذا يفتعل هذا الطالب ألواناً من الحجج والمعاذير ليقنع نفسه ويخدع نفسه أنه لا يتحمل المسئولية.

أما لو كان جاداً وبعبارة أخرى: لو كان صادقاً مع نفسه لاعترف بأنه يتحمل المسئولية أياً كان، فالطالب مثلاً يعرف أستاذه طوال العام، فلئن كان الأستاذ جدلاً لا يجيد شرح المادة فكان بإمكان الطالب أن يعطي هذه المادة جهداً مضاعفاً حتى يعوض القصور الذي يأتي من أستاذه.

والطالب ليست هذه أول مرة يدخل فيها قاعة الامتحان فهو يتوقع أن تأتيه الأسئلة على أي صورة وعلى أي احتمال، المهم: أنه لو كان جاداً وصادقاً وصريحاً مع نفسه لاعترف أنه سبب الفشل ولاعترف أنه يتحمل المسئولية.

فهكذا يحمل الآخرين المسئولية، وهذا الكلام يقوله لنفسه ولا يقوله للآخرين.

وهكذا نجد الحجة أيضاً نفسها تتبدى عندما يسلك الشاب سلوكاً غير مستقيم، فيواجه بالمناصحة فيحتج بأن والده لم يحسن تربيته أو أنه نشأ في بيت غير محافظ، بل حين ترى أنت مثلاً شاباً مستقيماً صالحاً خيراً وترى فيه عيباً فتناقشه فيه، كأن يكون هذا الشاب ليس جاداً ليس حريصاً على طلب العلم الشرعي فيه جانب من جوانب القصور أياً كان هذا الجانب، فتناقشه وتصارحه فماذا سيقول لك؟ سيقول لك: إني تربيت مع مجموعة غير جادة إني كنت مع رفقة كانوا غير حريصين على العلم حتى مضى زهرة عمري وريعان شبابي ولم أستفد، والسبب هو فلان فهو الذي يتحمل المسئولية السبب هو أستاذي إنه يجيد أن يحمل المسئولية لأي شخص كان ولو لم يكن له علاقة بالأمر من قريب أو بعيد، أما أن يكون شجاعاً صادقاً فيحمل نفسه المسئولية فيقول: أنا وإن تربيت في بيت يعج بالفساد والفتنة فإني مكلف شرعاً أن أسمع كلام الله عز وجل وأحضر إلى صلاة الجمعة مع الناس فأسمع ما يقوله خطيب الجمعة أدرس في المدرسة وأقرأ وأسمع من الأستاذ وأسمع من هنا وهناك؛ فقد كان هذا كله جديراً بأن يوقظني إن كان في قلبي حياة لكنه لا يملك الشجاعة التي تؤهله أن يقول هذا الكلام.