رابعاً: الحياء وسخرية الآخرين: من الذي يلوم الناس حين يستحون؟ أليس الحياء دلالة توقير وتقدير للآخرين؟ أليس الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب ما لا يليق؟ يستحي الإنسان أن يخالف الآخرين ويبدو أمامهم بمظهر يدفعهم للسخرية منه ويستحي أن يفعل أمامهم ما يكون منقصة في حقه، والحياء خلق ممدوح وفضيلة سامية، ومن هنا أكد عليه سيد الناس وأحسنهم خلقاً وعده شعبة من الإيمان، وحين رأى رجلاً يعظ أخاه في الحياء قال:(دعه فإن الحياء من الإيمان).
والحياء خصلة فطرية في المرأة، بل هي مضرب المثل في الحياء، وقديماً وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (أشد حياء من العذراء في خدرها)، لذا فحين جاء الإسلام وحفظ للمرأة حقها ومكانتها كان من أهم ما قرره أن لا تتزوج الفتاة دون إذنها، لكن لما كان الحياء قد يعوق الفتاة عن إبداء موافقتها على الزوج المتقدم لها فقد جعل صمت البكر دليل قبولها بالزوج بخلاف الثيب، فقال صلى الله عليه وسلم:(الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها)، لكن انتشار التساهل في الحجاب في مجتمعات المسلمين قلب الصورة لدى بعض الفتيات فصرنا نرى طائفة منهن يمنعهن الحياء عن ارتداء اللباس الشرعي، فهي تخشى أن تبدو بصورة غير لائقة، وتستحي من أن تلتزم باللباس الشرعي الساتر، إنها الصورة المنكوسة، فالحياء يدعو إلى الستر والعفاف، والحياء يدعو إلى البعد عن التبرج وإظهار المفاتن، ولئن دعا الفتاة حياؤها من الناس أن تجنح للتبرج والسفور أفلا يدعوها حياؤها من الخالق البارئ الذي يراها أينما حلت وارتحلت ويعلم نواياها وطويتها إلى التزام أمره عز وجل؟ أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالحياء فقال:(استحيوا من الله تعالى حق الحياء.
فتساءلوا مخبرين أنهم يستحون فقال صلى الله عليه وسلم مفسراً حقيقة الحياء: من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).